طارق رمضان بريئاً

طارق رمضان بريئاً

01 ديسمبر 2018
+ الخط -
قرّرت محكمة النقض الباريسية إطلاق سراح أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة أكسفورد/ طارق رمضان، لعدم وجود أدلة حقيقية تثبت ادعاءات اغتصاب وجهتها له ثلاث نساء، بعد حبس استمر أكثر من تسعه أشهر، أثار غضب متابعيه واستهجنته شخصيات كثيرة في العالم، خصوصا ممن يعرفه جيدا من زملائه أساتذة الجامعة أو من المفكرين والكتاب والصحافيين.
هذه هي المرة الرابعة التي يطلب محامو رمضان، ومنهم إيمانويل ماريني، إطلاق سراحه، من دون جدوى في المرات السابقة، فماذا حدث في هذه المرافعه التي وضعت المحكمة علنا على "غير المعتاد" أمام "ملفها" المليء بالعناصر غير المترابطة والأكاذيب. أظهر المحامي ماريني، أمام القضاة، عدم وجود عناصر أساسية للاتهام التي يحدّدها القانون في هذه الحالة، بل لم يجد حتى "الرسائل الحميمية" التي بني الملف على أساسها، وادعت المشتكيات استلامها، وهذا ما يكشف كذبهما تماما. ولم يقتصر خلو الملف من العناصر القانونية الأساسية، بل ظهر مبنيا كليا لاتهام رمضان، فعلى الرغم من وجود تقارير أطباء نفسيين لكلا الطرفين، تجاهل القضاة وضع التقرير الخاص بأستاذ أكسفورد، بسبب تشخيص هؤلاء، أن "الرجل إنسان طبيعي غير خطر، لا اجتماعيا، ولا إجراميا، وليس لديه أي عارض غير طبيعي"، بينما لم يتبنّ الحكام أو لم يروا أهمية لوضع تقارير الأطباء بخصوص المدعيات، وهي تقارير تشير إلى مشكلات نفسية وشخصية للمرأتين. ليس ذلك فحسب، بل تعرّض ماريني، في مرافعة محكمة، إلى كل عناصر الملف، وإلى العناصر التي أهملت قصدا، من رسائل حميمية قصيرة أرسلتها إحدى المدعيات، ومن حضور الأخرى مؤتمرا عقده في وقتٍ ادّعت أنه اعتدى عليها قبله، وأضاف المحامي أن هذه قد أرسلت له رسائل عنيفة وعدائية.
وبعد مرافعه المحامي، إيمانويل ماريني، أخذ طارق رمضان الكلام، ليترافع عن قضيته، وعن 
ملفه الخالي من أي دليل، والمليء بالأكاذيب. ويبدو أيضا أنه حسنا فعل. ولأول مرّة، تمكّن من الكلام بنفسه في جلسةٍ علنية أمام القضاة، في مرافعة استثنائية مفحمة، غير متعارف عليها في محكمة النقض (مغلقة غالبا)، ليفند محتويات الملف، وكل ما حرّره قضاة المحكمة الابتدائية، ويلقي بالحقيقة برزانة وحكمة، ليس فقط ليدحض ادعاءات نساءٍ تلاعبت جهاتٌ بعقولهن، لتدفعهن إلى اتهامه وتشويه سمعته، بل استطاع أن يلجم من يريد إبقاءه في السجن مدة أخرى، بالحقيقة التي راوغ بعضهم، منذ أكثر من تسعة أشهر، لطمسها وتشويهها، والتهرّب من الاعتراف بها، عبر إعلام مشيطن، أو شخصيات نافذة، ورغبة سياسية واضحة لتشويه صورته.
وعندما لم يجد محاميا المشتكيات ما يقولانه، دافع عنهن وعن إثبات تهم الاغتصاب التي ثبت كذبها توا. بدأ المحامي سبينر، المعروف في فرنسا بقربه من اللوبي الصهيوني، والمعادي للإسلام، بتكرار المقولات المشوهة عمدا التي يردّدها الإعلام الفرنسي عن رمضان، بخصوص رجم النساء في الإسلام، ليذهب أبعد، ويقول إن "رمضان يأخذ الجالية المسلمة أسيرة، علما أن من يسميهم المحامي سبينر جالية فرنسيون، ومن أجيال، وليسوا جالية، بل مواطنون. ومثله فعل زميله المحامي الثاني الذي تركزت مرافعته على الهجوم على طارق رمضان أكثر من دفاعه عن عناصر الاتهام، ليظهر للعلن موقفه، كما موقف زميله سبينر، هشّا وضعيفا، هدفه شيطنة المفكر الإسلامي، وتهميشه لدى الفرنسيين من أصول عربية وإسلامية.
وما إلزام المفكر "بإجراءات" تبدو كيدية أكثر منها مناسبة مع إقرار البراءة، مثل سحب جوازه 
وإجباره على التوقيع الأسبوعي، ودفع ثلاثمائة ألف يورو، منها مائتا ألف يورو تعويضاتٍ، إلا وسيلة أخرى، لتنغيص براءته الكاملة، ونية بعدم الاعتراف بأخطاء الذهاب بعيدا في طريقة تحرير القضية، والاستمرار بالحبس لأشهر طويلة، وعدم احترام مبدأ البراءة حتى إثبات التهمة. لذلك أجاب رمضان القضاة الذين قرّروا سحب جوازه: أهرب إلى أين؟ وكل التطورات تتجه إلى إثبات براءتي. سأبقى في فرنسا لأدافع عن شرفي وبراءتي.
ونشر رمضان في اليوم التالي لإطلاق سراحه بيانا قال فيه: "أنا بريء من كل الاتهامات التي وجهت لي، وسأواصل الدفاع عن كرامتي وشرفي. تؤكد بعض الأمور الموجودة في ملفي، كما في طريقة تحرير القضية بالطريقة التي حصلت أن حبسي كان لأسباب سياسية". كما دعا رمضان المدافعين عنه إلى عدم التعرّض للنساء الثلاث، وعدم شتمهن، والكتابه ضدهن، ليثبت عدم صدق مقولات القضاة الذين استمروا بحبسه "بحجة" الخوف على المدّعيات.
بدت قضية اتهام رمضان مبكرّا سياسية، وحاول كثيرون تفنيد ذلك، وتنافس الإعلام الفرنسي على التشهير به، وإعادة التلفيقات المعتادة، لتبدأ سردية التشويه على شكل مقدمةٍ لا يمل من تكرارها، فهي اليوم تبدو، وبجلاء، أنها قضية سياسية بحتة. وعقب إعلان المحكمة البراءة، قال المحامي إيمانويل ماريني: من المنطقي أن يطلق سراح طارق رمضان وفق التطورات التي أثبتت أخيرا أن تهم الاغتصاب أكاذيب.
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
ولاء سعيد السامرائي

كاتبة وصحفية عراقية مقيمة في باريس

ولاء سعيد السامرائي