بين الباجي والغنوشي.. القطيعة؟

بين الباجي والغنوشي.. القطيعة؟

01 ديسمبر 2018

السبسي والغنوشي في قصر قرطاج (13/7/2016/فرانس برس)

+ الخط -
جاءت تصريحات الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، والتي تضمنت اتهاما لحركة النهضة بأنها تهدّده، وأنه لن يصمت، والقضاء هو الفيصل، مضيفا بطريقته الساخرة "خلا لك الجو فبيضي وفرخي، ولكن هذا لن يمر"، لتكشف عن مدى التدهور في العلاقة بين موقع الرئاسة، ممثلة في شخص السبسي، وحركة النهضة وبشكل غير مسبوق على الأقل، منذ اجتماع زعيم الحركة راشد الغنوشي بالسبسي في باريس سنة 2014، ومهد للتحالف اللاحق بينهما.
ما جرى يمكن توصيفه قطيعةً من طرف واحد، فقد ظلت "النهضة" حريصةً، وحتى بيانها الأخير، على علاقات جيدة مع الرئيس، من خلال تأكيدها "على الشراكة والتوافق مع مختلف القوى السياسية والاجتماعية بالبلاد، وفي مقدمتها السيد رئيس الجمهورية". وعلى الرغم من أن البيان تضمن استغرابا من موقف الرئاسة، لانحيازها للرواية التي تروّجها الجبهة الشعبية عن وجود تنظيم سرّي لحركة النهضة هو المسؤول عن حوادث الاغتيال السياسي التي حصلت في أثناء وجودها في الحكم بين العامين 2011 و2013، غير أن متابعة منحنيات العلاقة بين موقع الرئاسة وحركة النهضة يكشف عن تدهورها بشكل متسارع في الشهور الأخيرة، فبعد أن عرف التحالف بينهما أوجه في السنوات الماضية، سواء في التساوق السياسي بين الغنوشي والسبسي وحزبه نداء تونس. حيث رضيت "النهضة" أن تلعب دور الشريك الأصغر في هذا التحالف، وكانت تحاول دوما استرضاء الرئيس، والسير في ركابه، وتزكية مبادراته المختلفة، بداية من قانون المصالحة الاقتصادية، وانتهاء بمبادرة حكومة الوحدة الوطنية، أو ما يُعرف بميثاق قرطاج.
غير أن تطور الأحداث داخل حزب نداء تونس، وحصول انشقاقاتٍ متتاليةٍ في صلبه أحدثت 
حالة من التضارب في تقدير الموقف السياسي بين الحليفين، فعلى الرغم من أن الرئيس الباجي هو من اختار يوسف الشاهد رئيسا للحكومة الثانية في عهده، خلفا للحبيب الصيد، وحاول أن يحشد له أكبر قدر ممكن من التوافق الوطني حوله، من خلال ما سماها حكومة وحدة وطنية، شاركت فيها أطراف سياسية مختلفة، إلا أنه سرعان ما أصبح خصما له.
ما جرى بعدها أن رئيس الحكومة الجديد اختار أن يسلك توجها مستقلا عن إرادة قيادة الحزب الذي جاء به إلى السلطة، أعني "نداء تونس"، وهو ما أحدث انشقاقا جديدا في صلب هذا الحزب بين قيادةٍ يحتكرها حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس، وسعي رئيس الحكومة إلى بناء قوة سياسية موالية له، تكللت بتشكيل كتلة نيابية حملت اسم الائتلاف الوطني، والتي تجاوز عدد نوابها كتلة حزب نداء تونس.
اختارت "النهضة" أن تتحالف مع الشاهد، باعتباره الجناح الأقوى داخل "نداء تونس"، خصوصا في ظل إصرار رئيس الجمهورية على إقالة رئيس الحكومة ضمن مخرجات وثيقة قرطاج الثانية التي ظلت حبرا على ورق، واتخذ رئيس الحكومة خطواتٍ سياسيةٍ خارج إرادة الرئاسة، خصوصا في إقرار تعديل حكومي واسع، نال موافقة مجلس النواب بأغلبية ساحقة، وهو ما جعل الشق الذي يتزعمه نجل الرئيس في حزب نداء تونس يتخذ خطواتٍ في اتجاهين، أولها الإعلان عن فك الارتباط مع "النهضة"، وانتهاء التحالف السياسي القائم معها. ومن جهة ثانية، شن حملة إعلامية وسياسية ضد رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، واتهامه بمحاولة تدبير انقلاب. ولم يكن رئيس الجمهورية بعيدا عن المشهد، وهو الذي لم يستوعب حالة انعدام الوزن التي يعيشها منصب الرئاسة، وإذا كان الأمر مرتبطا، في واقعه، بالبنية الدستورية للنظام السياسي التونسي بعد الثورة، إلا أن ما أثار حفيظة الرئيس هو ما اعتبره تمرّدا من رئيس الحكومة الذي اختاره هو بنفسه، وتحالف حركة النهضة معه، بعد أن كانت في انسجام سياسي تام مع توجهاته.
كان خيار الرئيس السبسي هو التوجه نحو معاقبة حركة النهضة على تحالفها مع رئيس 
حكومته، ورفضها تزكية بعض توجهاته المتعلقة خصوصا بالتوريث السياسي لنجله، ودعم خياراته في إقالة رئيس الحكومة الحالي، وهي مواقف دفعته إلى استخدام كل الأوراق التي يمكن أن تجبر قيادة "النهضة" على الإذعان، وذلك بالبحث عن تحالفٍ جديد مع الخصم الإيديولوجي التقليدي للحركة، أعني الجبهة الشعبية، وتوظيف موضوع الاغتيالات السياسية ضدها من جهة، والدفع بمسألة المساواة في الميراث من جديد إلى البرلمان، بما يُحدث انشقاقا ممكنا بين "النهضة" وحليفها الجديد رئيس الحكومة، من حيث خيارات التصويت.
ما يبدو كأنه قطيعة نهائية بين الرئيس وحركة النهضة هو أحد مظاهر التدافع السياسي في تونس الحالية، حيث تتشكل التحالفات وتنتهي بشكل متسارع، وهي في مجملها لا تتأسس على برامج مشتركة، أو خطط إصلاحية، بقدر ما تخضع، في أحيان كثيرة، للمزاج الفردي والعلاقات الشخصية للقيادات السياسية المتحالفة، وهو مؤشر استمرار حالة عدم الاستقرار في مرحلة الانتقال الديمقراطي التونسي.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.