المغرب والسعودية.. البراغماتية لا الولاء

المغرب والسعودية.. البراغماتية لا الولاء

01 ديسمبر 2018
+ الخط -
ما الذي يمكن أن يقع بين الرباط والرياض؛ حتى يبلغ الفتور في العلاقات بينهما هذا المستوى غير المسبوق. جرت مياه كثيرة تحت الجسر أثرت في مكانة الرياض التي اختارها المغرب قبل سنتين لمواجهة من خذلوه على الصعيد الدولي، حين قال العاهل المغربي في خطابه في القمة المغربية الخليجية، في أبريل/ نيسان 2016 في الرياض، إن "المغرب ورغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية بحلفائه، فقد توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شركائه.. فالمغرب حرٌّ في قراراته واختياراته، وليس محمية تابعة لأحد". وشهدت العلاقات المغربية السعودية أزمة صامتة قبل سنتين، بيد أن حرارتها بدأت في الارتفاع أخيرا، لتنتقل من السرية إلى العلنية، بشكل مفاجئ في واحدةٍ من أكثر العلاقات العربية استقرارا، ستة عقود من تاريخ العلاقات بين البلدين التي تعود إلى عام 1957؛ أي بعد أقل من سنة على استقلال المغرب.
اصطفت الدبلوماسية المغربية في مواقفها، بشأن القضايا العربية والإقليمية وحتى الدولية، في محور الرياض أبو ظبي، وبلغت قراراتها، في بعض الأحيان، مستويات تجاوزت سقف التوقعات؛ على غرار ما حدث في أزمة البحرين وإيران (2009)، حيث اكتفت دول هذا الحلف بالإدانة والتنديد، بينما قرّرت الرباط حينها قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران. غير أن الأزمة الخليجية شكلت لاحقا القشة التي قصمت ظهر البعير في علاقات الرياض بالرباط، بعدما اختار المغرب الخروج عن المألوف، بإعلانه التزام الحياد البنّاء في موقف مفاجئ، تلاه قرار إرسال مساعدات غذائية عاجلة لدولة قطر، خلال الأيام الأولى للاندلاع الأزمة، ثم تقديم مقترح للوساطة بين الطرفين.
وقبلها كان لعدم وفاء العربية السعودية بالتزامها بمنح مساعدات مالية للمغرب، إبّان الربيع 
العربي، سببا إضافيا لإعادة الرباط النظر في موقعها، فوفقا لتقارير رسمية مغربية، لم توف سوى قطر والكويت بالتزامهما بمنح الدعم المخصص للمغرب بدفع مبلغ 1٫25 مليار دولار لكل منهما، بينما دفعت السعودية 868 مليون دولار فقط من إجمالي 1٫25 مليار دولار تم التعهد به عام 2012.
اعتبرت السعودية هذا التموقع بمثابة خيانةٍ غير متوقعة من حليف استراتيجي، تربطهما قواسم مشتركة كثيرة، ما حداها، في سياق معين، إلى اقتراح منحه، بمعية الأردن، العضوية في دول مجلس التعاون الخليجي. لذا رفضت كل الوساطات التي اقترحها محمد السادس في كل من أزمتي رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري (مايو/ أيار 2018) والأمير الوليد بن طلال (مارس/ آذار 2018) ابن خالة الأمير مولاي هشام العلوي.
توالت بعد ذلك معركة تسجيل النقاط في مرمى الدبلوماسية بين البلدين، فقد اختارت الرياض الرد المباشر؛ وبقوة على الرباط، بقرارها التصويت ضد ملف المغرب لاحتضان نهائيات كأس العالم لسنة 2026، ومنحت صوتها، كما عملت على استمالة أصوات دول عربية أخرى، للملف المشترك بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، في لحظة استغلها محسوبون على دوائر صنع القرار في الرياض للتطاول على المغرب والسخرية منه. تلاها قرار العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، وقف تقليد سنوي؛ دأب عليه منذ كان وليا للعهد، قضاء إجازته السنوية الخاصة في طنجة.
استخدمت الرباط أوراقا عدة في هذه المعركة الدبلوماسية الهادئة، حيث اختيار المغرب سياسة النأي بالنفس، والتزام الصمت حيال أزمات عديدة؛ يفترض فيها واقع الحال إعلان التضامن والمساندة، على غرار ما حدث في الأزمة السعودية الكندية في أغسطس/ آب الماضي، وقبلها الأزمة السعودية الألمانية التي بلغت حد سحب السفير من برلين. ثم واقعة مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول التي لم تبد فيها الرباط أي تضامن مع المملكة، بخلاف دول عربية عديدة سارعت إلى الوقوف بجانبها، مع تزايد الضغوط الدولية التي تتعرض لها الرياض بعد تلك الجريمة. ثم جاء تجميد الرباط مشاركتها في عملية عاصفة الحزم العسكرية في اليمن، فوفق بعض المصادر، انسحب المغرب تدريجيا من هذه الحرب، بعدما أخبر عواصم عالمية (واشنطن وباريس وبروكسيل...) أنه لم يعد يشارك في الحرب، على الرغم من أنه لم يعلن عن ذلك رسميا، لتفادي مزيد من التوتر. هذا وقد كان مبرر انخراطه، على الرغم من معارضة الرأي العام المغربي تلك الحرب، الالتزامات الأمنية مع العربية السعودية والإمارات ضمن التحالف العربي.
تضرّرت العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والسعودية بشكل لم يسبق له نظير، وبلغت درجة برودتها مستوىً قياسيا، لم تقو محاولات هذا الطرف أو ذاك على إعادة الدفء إليها، مهما كانت رمزيتها في الأعراف الدبلوماسية، فلا اللقاء غير الرسمي، في باريس، بين العاهل 
المغربي محمد السادس وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولا استقبال الملك وفدا سعوديا كبيرا برئاسة وزير الداخلية، عبد العزيز بن سعود، بعد انفجار أزمة اغتيال خاشقجي، ولا تسلم الملك سلمان أوراق اعتماد مصطفى المنصوري سفيرا للمغرب في الرياض، بعد مرور أكثر من ستة أشهر على تعيينه... أفلح في تذويب الجليد الآخذ في التزايد بين الرباط والرياض.
وأوضح دليل على ارتفاع منسوب التشنج قرار الرباط تأجيل اجتماع اللجنة العليا المشتركة المغربية السعودية الثالث عشر، بطلب من الرياض، بعدما شُرع في التحضير لعقدها قبل تمام العام الجاري (2018)، منذ شهر أبريل/ نيسان المنصرم، والمفروض أن تصاحبها فعاليات ثقافية سعودية في مدن مغربية عدة. ثم جاء قرار إسقاط ولي العهد محمد بن سلمان المغرب، أو رفض محمد السادس استقباله بحسب بعض الروايات، من جولته الخارجية في دول عربية مجاورة للمغرب، محسوبة على الحلف السعودي، ليقطع الشك باليقين في أن الأمور بين الرباط والرياض ليست على ما يرام.
في غمرة تخليد العالم مئوية نهاية الحرب العالمية الأولى التي رسمت خرائط رقعة جغرافية في الشرق والغرب على حد سواء، نعيش على وقع تحالفاتٍ جديدةٍ ستكون لها تداعيات كبرى، من شأنها إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، وصناعة خرائط جديدة تعكس موازين القوى الحقيقية على أرض الواقع. وهذا ما دفع المغرب إلى تبنّي سياسةٍ براغماتيةٍ واقعيةٍ، لا تقطع حبل الود مع الأصدقاء التقليديين، لكنه، في الآن ذاته، يحرص على ضمان حسن الاصطفاف في مختلف الأحلاف، كي لا يجد نفسه عرضةً للابتزاز، كما وقع لها مع قوى كبرى (باريس وواشنطن ولندن..) قبل سنوات فيما يخص قضية وحدته الترابية.
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
E5D36E63-7686-438C-8E11-321C2217A9C8
محمد طيفوري

كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.

محمد طيفوري