"سماجة" المفتي

"سماجة" المفتي

04 نوفمبر 2018

مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ

+ الخط -
كان محتملًا أن يتأكّد لي صدق رواية "أعمى يقود ضريرًا" على سماحة الشيخ الأعمى، عبد العزيز آل الشيخ، مفتي المملكة العربية السعودية، وهو يهتف بحنجرة مبحوحة: "هذي البلاد محسودةٌ بقيادتها"، لولا أن الضرير هو من يقود الأعمى، لا العكس، في الواقع، وأعني به "القيادة المحسودة" ذاتها.
قبل هذا وذاك، كان يراودني سؤالٌ عن المصادفة اللافتة في اختيار مفتيْ السعودية، تحديدًا، من "العميان"، على غرار المفتي السابق عبد العزيز بن باز، لكنني سرعان ما كنت أطرد هذا الخاطر من ذهني؛ لأنني من المؤمنين بأن العمى هو عمى البصيرة لا البصر، ولا يضير المرء أن يكون أعمى، ما دام يرى بقلبه.
كنت مؤمنًا بذلك، نعم، غير أنني أرى أن هذه القناعة لم تعد تنسحب على القيادات الدينية في مملكة "العمى"، بفضل "سماجة" الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الذي يضع قيادتَه في موضع "الحسد"، كلّما ضاق الخناق عليها، فتخرج كلماتُه بمثابة "الفتوى" التي على الشعب السعودي التسليم بها، وجعلها جزءًا عضويًّا من معتقداته "الدينية"، إلى جانب أركان الإسلام الخمسة ربما، فرجلٌ مثل محمد بن سلمان يستحق حسد العالم كله، باعتباره "قائدًا فذًّا" يُحسب له أنه أول من استخدم "المنشار في الحوار"، وأول من مزّق جسد كاتبٍ في قنصلية بلاده في إسطنبول، وأول من احتجز رئيس وزراء دولة في بلاده.
وعلى الشعب أن يتّبع "سماجته" إلى أي هاويةٍ يشاء، ما دام الضرير الأول يأمره بإعداد الفتاوى. ولا أستبعد أن يصدر آل الشيخ فتوى بضرورة دعم إسرائيل، مثلًا، على اعتبار أن دونالد ترامب كشف هذا المستور أخيرا، في معرض تبريره دعم بن سلمان، حتى وإن لم يعترف صراحةً بأن الأخير هو المخوّل بتنفيذ أجندة صفقة القرن في المنطقة، والتخلّي عن القدس عاصمةً للعرب.
في المقابل، ينبغي أن نحسد عبد العزيز وآله على هذا التحالف غير المقدس مع مشايخ دين جنّدوا أنفسهم حتى آخر آية وحديث شريف في خدمة "ولاة الأمر"، منذ أول هؤلاء المشايخ وصولا إلى عبد العزيز آل الشيخ، وعبد الرحمن السديس الذي كان له نصيبٌ، هو الآخر، في تغسيل يديْ بن سلمان من دم جمال خاشقجي، ووصفه بـ"الشاب الطموح المحدّث المفوّه الملهم"، ومحذرًا من أن الحملة الإعلامية العالمية ضد وليّ "جيبه" التي تتّهمه بالتواطؤ على خاشقجي، من شأنها أن "تستفزّ مشاعر أزيد من مليار مسلم في العالم". والحال أنني لا أدري كيف يسمح السديس لنفسه بالتحدّث نيابة عن "مليار مسلم"، أو على الأقل "مليار إلا واحدًا"، لأنني أنا الواحد غير المُستَفزّ من هذه الحملة، بل المبارِك لها، ما دام الأمر يتعلّق بكشف الوجه البربريّ لوحشٍ مثل محمد بن سلمان يتقمّص دور "الحداثيّ"، فيما هو في الواقع يوظّف الحداثة كلها في خدمة جرائمه بحقّ المعارضين و"الصامتين" على السواء، غير أن السديس شاء، هو الآخر، أن يدخل مدار العمى الطوعيّ، ليردّد تخاريف سماجة المفتي الأكبر، آل الشيخ.
في المحصّلة، يصلح في مملكة "العمى" أن يقود الأعمى ضريرًا، أو يقود الضرير أعمى، ما دام هذا التحالف بين الحكام ورجال الدين قائمًا، غير أن ما لا يُدركه طرفا التحالف المشبوه أن ثمّة شعبًا بصيرًا في المنتصف، لم يعد ينخدع، لا بقيادته التي اغتصبت حتى اسم أرضه الطاهرة لتسجلها باسمها في دوائر الطابو، ولا بالفتاوى الشيطانية التي تصدر عن سماجة شيوخٍ أقل ما يُقال فيهم إنهم باعوا دينهم بدنياهم، وارتضوا أن يكونوا أبواقًا بلحىً كثّة في بلاط السلاطين، وهو الشعب الذي سيُحاسبهم، قبل أن يُحاسبهم الله، لو كانوا يعلمون.
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.