لماذا يجب نبذ بن سلمان؟

لماذا يجب نبذ بن سلمان؟

28 نوفمبر 2018
+ الخط -
يقوم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بجولة عربية المفروض أن تقوده إلى عدة دول، غرضها الأساسي تلميع صورته، وفك العزلة التي بات يعيشها على خلفية ضلوعه في جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي. ولكن لسوء حظ الأمير السعودي الشاب، فإن الجولة التي كان يطمح أن تمنحه شرعية عربية، قبيل توجهه إلى قمة العشرين في الأرجنتين، تحولت إلى أكبر استفتاء شعبي عربي، عكس حجم غضب الشارع العربي ضد تصرفات هذا الأمير المتهوّر، وجاءت الجريمة البشعة لمقتل مواطنه داخل قنصلية بلاده لتدل مجددا على الجانب المظلم من هذه الشخصية الدموية.
أراد بن سلمان من تجواله بين عواصم عربية منتقاة أن يمحو آثار الجريمة البشعة المتهم بالتورّط فيها، لكن الجولة أرسلت رسائل سلبية منذ الإعلان عنها، وأبانت مدى عدم إدراك بن سلمان خطورة الجريمة التي يعتبر الآن، وحتى قبل إثبات تورطه فيها أو نفيه، المسؤول الأول عنها سياسيا وأخلاقيا، بصفته الحاكم الفعلي في بلاده، بعد أن أقر القضاء السعودي بأن المتورطين في عملية الاغتيال مسؤولون سعوديون كبار، والجريمة ارتكبت على أرض دبلوماسية سعودية. وكان حريّا ببن سلمان تحمل مسؤوليته كاملة، واستخلاص الدروس التي تفرضها هذه المسؤولية، حتى لو صدقنا فعلا أنه لم يكن على علم بما وقع، وإن كان هذا مستبعدا في دولةٍ يحكمها بقبضة من حديد منذ توليه منصب ولي العهد.
تمسّك بن سلمان بزيارته، على الرغم من عاصفة الغضب التي أثارته في أكثر من دولة 
عربية، يؤكد احتقاره الرأي العام العربي، وفوق ذلك استهتاره الكامل بمبادئ حقوق الإنسان، واستخفافه بمشاعر الناس العاديين الذين هزّتهم بشاعة الجريمة المتهم بالضلوع فيها إلى أن يثبت العكس.
وحتى لو لم توجد جريمة مقتل خاشقجي، أو افترضنا عدم تورّط بن سلمان فيها، فثمّة أكثر من سبب، يدفع الناس إلى الاحتجاج ضده وإدانة أفعاله، فمسلسل تهور هذا الأمير الشاب طويل وحافل بالجرائم المرتكبة في اليمن، وبالاعتداءات ضد حقوق الإنسان، وضد الصحافة وحرية التعبير، وبالقمع والتعذيب الذي يتعرّض له معارضون سياسيون ونشطاء وأصحاب رأي حر أو مخالف أو فقط مستقل، فهذه الزيارة لا تسيء فقط لبن سلمان الذي وضع نفسه في عين عاصفة غضبٍ الشارع العربي، وإنما تهدف أيضا إلى الإساءة إلى الدول التي ستشملها، وإلى حكامها وشعوبها، لأن بن سلمان يسعى من جولته هاته إلى أن يُطبٍّع الناس مع بشاعة الفعل الإجرامي المرتكب، وأكثر من ذلك تشجيع ثقافة الإفلات من العقاب التي يرعاها نظامه.
الغرض من جولة بن سلمان في المنطقة العربية استعراض سياسة الغطرسة والتكبر التي ما زال يتمادى فيها، على الرغم من الإدانة والاستنكار اللذين أثارتهما الجريمة البشعة المتهم بالضلوع فيها، فبعد مقتل خاشقجي، وما أثاره الاغتيال البشع من ردود فعل مستنكرة عبر العالم، زاد بن سلمان هجمات قواته على اليمن، ما رفع عدد الضحايا، وأغلبهم مدنيون أبرياء، وضاعف من معاناة أطفال اليمن ونسائه الذين يفتك بهم الجوع، وتنهشهم الأوبئة التي كان يعتقد أن البشرية قضت عليها.
جولة بن سلمان العربية إعلان فج لانتصار ثقافة الاستكبار والغطرسة والإفلات من العقاب. 
واستقباله والترحيب به هو تزكية للسياسة المعادية لحقوق الإنسان التي يقودها داخل بلده، وتشجيع له على مزيد من الاعتقالات التعسفية للمدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، خصوصا في أوساط الصحافيين وأصحاب الرأي والنشطاء ومشايخ الدين.
لقد ظلت السعودية، اعتبارا لمكانتها الرمزية الدينية عند المسلمين، ونظرا لقدرتها المالية على إخراس كل الأصوات المنتقدة، فوق كل نقد، عقودا طويلة، وحان الوقت لكسر هذا "الطابو"، وتوجيه النقد واللوم لحكام السعودية، وفي مقدمتهم اليوم محمد بن سلمان، لأنهم لا يقمعون فقط شعبهم، وإنما يسعون إلى تصدير نموذجهم الذي يشجّع الأنظمة العربية الأخرى على التعنت والانغلاق ومعاداة حقوق الإنسان ومحاربة حرية الصحافة والتعبير، وتخريب كل تجربة ديمقراطية في مهدها.
لقد بات بن سلمان يختزل أسوأ نموذج للنظام السيئ الذي يقوم على اغتيال المعارضين، وقمع الصحافيين المستقلين، واعتقال النساء المدافعات عن حقوق المرأة، وزجّ أصحاب الرأي في غياهب السجون، وابتزاز كل من لا يريد الخضوع له. نظام متورّط في جرائم ضد الإنسانية خارج حدود بلاده، وضد شعوب أخرى لا تخضع لوصاية حكمه، ولا يتوانى عن تبديد ثروة شعبه في شراء ولاءات القوى العظمى لحماية أركانه، فكل من يمد يده إلى نظام من هذا القبيل يحكم على نفسه بالاصطفاف المخجل مع مواقفه وجرائمه، ويضع نفسه في الاتجاه المعاكس لأنصار القيم الكونية الكبرى التي لا يمكن أن تقايض بالأموال أو المصالح.
لا مصلحة تعلو فوق المثل والمبادئ والقيم، فالمصالح متغيرة والمبادئ ثابتة، والثبات على المبدأ أنفع من الجري وراء مصلحة متغيرة، خصوصا إذا كان صاحبها متهورا متغطرسا، ويحمل في جيناته عداء للحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ويداه ملطختان بدم مغدور.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).