صولجان القمع والاستبداد

صولجان القمع والاستبداد

27 نوفمبر 2018
+ الخط -
"نكتب لا من أجل أن نحرج أوطاننا، ولكننا نكتب من أجل ما أرهقنا وراعنا".
هذه العبارات كتبتها سابقا حينما تحدثت عن الوعي الحقيقي للمجتمع التونسي. ولكنني اليوم أكتبها من أجل الصحافي، جمال خاشقجي، والذي كتب من أجل الإصلاح والتغيير. أراد فقط التحسين لواقع غريب ورهيب، ينهل من معاني التناقض والظلم والترهيب، متسائلا: أين تنتفي الحقوق والحريات؟ لكن مطالب الترميم والتطوير لم ترق سلطة الاستبداد، اعتبرته إثما لا يغتفر يستوجب العقاب.
نوع من الإرهاب الفكري تسلّطه الأنظمة الديكتاتورية على أقلام مجتمعاتها، فمعجم النقد ومصطلحاته يعد من الأفعال المحظورة سياسيا، والمحرّمة دينيا، والمنبوذة اجتماعيا، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي تدريجيا إلى إقصاء تلك الأقلام وتكميمها. إذ لا تحتاج هذه الأنظمة مصابيح الإبداع وشعلة التفكير، بقدر ما تطلب إرساء مجال تجتاحه غياهب الصمت والخضوع. تحبذ هذا المجال السحيق، لأنه الملاذ الوحيد للتأسيس لمجتمع من العبيد، يؤمن بالامتثال والاستسلام.
أنظمة تنشد الاستقرار، تطلب، بل لعل الأسلم والأجدر استعمال كلمة "تفرض"، اعتماد معجم مفاهيمي تجميلي، قوامه الزيف والخداع والتضليل لواقع مشوه ومرير. تقوم بصناعة "أشباه الأقلام"، حتى تدافع عن "أشباه الحكام" لتحمي بذلك سلطان الدكتاتورية من الزوال والانهيار.
إلى جانب "أشباه الأقلام"، فإن هذه الأنظمة تؤسّس لبروز أشباه الذوات، تلك الأفراد التي تكوّن ذلك المجتمع البائس القابع خلف التخوم. ذلك المجتمع الذي يشعر بالأمان، ويلتمس زيف الاستقرار، لكنه يعزف عن طلب ممارسة الحقوق والحريات. إذ أنه يعتقد أنها مجرد ترهات، يعتبرها أحيانا من المحرمات المفسدات لصرح المجتمعات، فكم عجيب أمر هذه المجتمعات، حيث أن نقدها الحريات فعل مشين لذواتٍ لا تعتد بالتغير، إذ أضحت تقاوم طابعها الإنساني الذي يطلق عليه رغبة التطور والتحرير. إنها بذلك تعتنق الجمود، ترتأي في ذلك القنوط الفكري لتبلور لعقيدة اللامبالاة، فأين تتجلى كلمة "الاعتياد". إذ أنها اعتادت سكون ذلك الواقع الكاذب، اعتادت أغلال الاستقرار، اعتادت كذلك صولجان القمع والاستبداد.
في نهاية هذا المقال كلمات وعبارات من نوع خاص، تبتغي التمظهر في هذا السياق لتجسد معاناة كل قلم كابد القمع والمعاناة:
بين تلك الكتابات، أشاد بالحريات، ندد بالانتهاكات، صرخ أمام تلك المأساة، إنها حياة القهر والعذاب. أين تهمش الحريات؟ أين تكبل الإرادات؟ أين يخضع الأفراد؟ أين فعل القلم؟
أطلق وحش الاضطهاد سياسات القمع على قلم الحريات الذي أقصته من الحياة بفعل الاغتيالات، تخلصت من نزيف الكتابات. وأمام صمت ذلك المجتمع، لم ولن يكون لفعل القلم، أثر سوى ذلك العدم.
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
إسماعيل الهدار (تونس)
إسماعيل الهدار (تونس)