عن أردنيين محبوسين في سورية

عن أردنيين محبوسين في سورية

26 نوفمبر 2018
+ الخط -
بينما كان الحديث بين بشار الأسد وضيوفه النواب الأردنيين التسعة، قبل أيام، يخوضُ في صمود سورية في مواجهة المؤامرات، انعطف أحد هؤلاء في الحديث إلى شأن أحد أبناء مدينته، محبوسٍ منذ شهر في سجنٍ سوريٍّ ما، وطلب من الرئيس المضيف الإفراج عنه، فاستجاب الأخير، ثم كان الشاب بعد ساعاتٍ مع "بلديّاته" النائب، ثم عادا معاً إلى مدينتهما الرمثا. ولم تزوّدنا المواقع التي طيّرت هذا الخبر بالتهمة التي تم إيداعُه الحبس بموجبها، فلم نعرف وِجهتها، جنايةً أم إرهاباً أم وشاية مخبرٍ أم أنها الهواية التي تقيم عليها الأجهزة السورية إيّاها في ابتلاء البشر. ويُحسب للنائب الأردني الذي أقدم على الطلب الشخصي هذا من رئيس البلد الجار أنه أنقذ ابن مدينته من مصيرٍ لم يكن الجن الأزرق سيعرفه. 

وإلى فائض الأريحيّة التي تعامل بها تجاه الأردنيين، عندما أفرج عن واحدٍ منهم محبوس، بمجرّد ما سمع اسمَه، أنصت بشار الأسد، من ضيوفه التسعة، إلى رغبتهم بإطلاق سراح المعتقلين الأردنيين في سجونه، مع تنويهٍ منهم إلى أن طلبهم هذا لا يغفل عن فحصٍ مسبقٍ لحالاتهم، ثم ردّ عليهم طالباً أسماء هؤلاء. والظاهر أن النواب التسعة ما توقّعوا هذه الإنسانية المفرطة، والفورية، فلم يأتوا معهم بقائمة بأسماء المعتقلين الذين التمسوا من الرئيس إفراجاً عنهم.
لمّا عاد النواب التسعة هؤلاء من دمشق، حدّثوا، في مقابلات تلفزيونية معهم، الأردنيين عن بشاشةٍ غزيرةٍ استقبلهم بها مسؤولون سوريون رفيعون، لكن أحدهم أفاد بأنه ليس لدى الدولة الأردنية قائمة بأسماء مواطنيها المعتقلين هناك، وإنْ لديها معرفةٌ بحالاتٍ محدّدة. وإذا يمكن رد هذا الحال إلى غير سببٍ وسبب، فإن الأساسيّ أن ثمّة عدم اكتراثٍ متأصلاً، وتقليدياً وعتيداً، مقيماً منذ عقود لدى الدولة الأردنية، بشأن هذا الأمر، فليس في أرشيف العلاقات السورية الأردنية، العويص، ما يفيد باهتمامٍ خاص به، وإنْ ليس منسياً أن الملك حسين لمّا كان يطلب الإفراج عن حكم الفايز (توفي في 2013) من حافظ الأسد، كان الأخير يمتنع، أو كان، على ذمّة بعضهم، يشترط أن يستمر حبس الرجل في الأردن، حتى اكتملت 23 عاماً، فخرج إلى بلده، في 1993. أما سلامة كيلة فلم تلتفت عمّان إلى أردنيّته في السنوات الثماني التي أمضاها في سجون الأسد الأب، ولمّا احتجزوه أسابيع في الشهور الأولى للثورة السورية، فطن عباقرةٌ في أجهزة نظام الأسد إلى أن المثقف المعروف أردني الجنسية، فأبعدوه إلى الرمثا الحدودية.
التحق شبّانٌ أردنيون بتنظيم الدولة الإسلامية وعبروا إلى سورية، وانضم غيرهم إلى جبهة النصرة وغيرها، قضى بعضُهم قتلاً هناك، وعاد آخرون واستنطقتهم المخابرات الأردنية، واهتم بهم باحثون ودارسون، واعتنوا بأعدادهم، ودوّنوا شهادات أفرادٍ منهم. أما الباقون من هذا الصنف هناك، قتلى أو فالتين أو محبوسين، فلا شيء يؤكّد اكتراثاً أردنياً رسميا بهم، بوصفهم مواطنين أردنيين، وليس مجرّد حالاتٍ أمنية. وغيرُهم، أي الأردنيون الغائبون في سجونٍ سورية، منذ سنوات، وعقود ربما، بدعاوى متنوّعة، كما العرفاتيّة التي حُبس بسببها أردنيون فتحاويون كثيرون، فلا توثيق مؤكّداً بصددهم، ولا التفات إليهم. ويُمكن حسبان التباس أردنيّة عديدين بانتسابهم إلى تنظيماتٍ فلسطينية، سيما في عقودٍ سابقة، من أسباب غياب قوائم لدى السلطة الأردنية بأسماء محتجزين (يجوز اعتبار بعضهم أسرى) في زنازين الأسد. ولمّا كان وفدٌ بعثته الرئاسة الفلسطينية في رام الله إلى دمشق في يوليو/ تموز الماضي، قد جاء، في مباحثاته مع رئيس الحكومة السورية (اسمه عماد خميس) على هذا الملف، فإن من البلاهة أن يتوقع واحدُنا أنه تم أخذ المسألة كلها على محمل الجد.
وليست الحرية التي نالها شاب الرمثا أخيراً وحدها ما تذكّر بمحتجزين أردنيين في سجون سورية، غائبين عن البال، غير معروفةٍ تفاصيلهم، وإنما أيضاً الفزعة التي ردّ بها أردنيون، معجبون بصمود سورية الأسد ضد المؤامرات، على نشر موقع "زمان الوصل" أسماء آلاف الأردنيين، موثقة ومكتملة التفاصيل، مطلوبين (لأسباب متنوعة) للمخابرات السورية. والأدعى الآن أن يلتفت هؤلاء الذين بوغتوا بأن نظام الأسد يحبس الأردنيين أيضاً إلى أن حكومة بلدهم مطالبةٌ حالياً بإعداد قائمة بمواطنيها المسجونين في سورية. ويا للمفارقة، بشار الأسد هو، وليس غيرُه، من يطلبها!
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.