ترامب ونتنياهو سارقا خيول

ترامب ونتنياهو سارقا خيول

24 نوفمبر 2018
+ الخط -
راق للكاتب الإسرائيلي في "هآرتس"، تسفي برئيل، أن يُشابه دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو بسارقي الخيول، في إضاءته البواعث التي جعلت الرئيس الأميركي يذكّر مواطنيه والصحافة والكونغرس في بلاده بالنفع العظيم من السعودية لإسرائيل، فهذه، بحسْبه، كانت ستصير في ورطةٍ كبيرةٍ لولا تلك. ويسأل ملتاعا: ماذا يعني هذا؟ (اتهام ولي عهد السعودية محمد بن سلمان بمعرفةٍ مسبقةٍ بقتل جمال خاشقجي) هل على إسرائيل أن ترحل؟ هل تريدون رحيل إسرائيل؟ وذلك بعد يوم على بيانه إيّاه، والذي أذاع فيه أحجية أن بن سلمان ربما كان على علمٍ بالجريمة، وربما لم يكن، كأنه يضع رغبته وما خلصت إليه الاستخبارات الأميركية في منزلةٍ واحدة، فيذكّرنا، نحن ملايين النظّارة العرب، بسرحان عبد البصير الذي سألوه في المحكمة إنْ كان قد شاهد المتهم الذي في قفصٍ أمامه، فأجاب بأنه ربما شاهده وربما لم يشاهده، وأضحكنا عادل إمام كثيرا في أدائه دور ذلك الشاهد. أما ترامب، فإنه لا يُضحكنا، وإنما يحيّرنا، عندما يُفرط في مخاطبة الأميركيين بأنهم سيفقدون مليارات الدولارات ومئات آلاف الوظائف لو أصيب محمد بن سلمان بشيءٍ من سوء الظن، وكأن من قد يصير وليا للعهد، ثم ملكا، بدل هذا الشاب، لن يكون من آل سعود، وإنما من سلالة أحد ثوار التوباماروس في الأورغواي. 

لفّ ترامب ودار كثيرا، منذ دخل جمال خاشقجي القنصلية في اسطنبول، قبل أزيد من شهر. وللحقّ، لم يكن مملا في إطلالاته، وهو يصرّح أو يثرثر كيفما اتفق، ففي مشاهدِه المتنوّعة ما ينجذب واحدُنا إليها، ومنها لما وعدنا بقرارٍ منه بشأن بن سلمان، وهو يرتدي معطفا خفيفا يقي من المطر، ويستعدّ لركوب مروحيةٍ نظيفةٍ، هابطةٍ في أرضٍ معشبة، لتأخذه إلى حرائق في كاليفورنيا. بعد كل اللتّ والعجن، اهتدى الرئيس إلى استخدام إسرائيل في حماية الأمير السعودي من سوء الطويّة الثقيل الذي يتوطّن في أفهام العاملين في صحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز، وصار ظاهرا في أعضاء وازنين غير قليلين في الكونغرس، لعلّ كل هؤلاء يرعوون، ويتذكّرون أن إسرائيل مهدّدة بالرحيل، فأي فزعٍ بعد هذه النازلة لو صارت. بوضوحٍ واحتيال، يقول إن إسرائيل تزول لو مسّ الحكم في السعودية شيءٌ مما لا تُدركه عقولكم.
يتبادل سارقو الخيول حماية بعضهم، ويستبدلون أدوارهم، ويحفظ كلّ منهم للآخر جميلَه. ... قالها نتنياهو، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، قبل أن يفطن ترامب، أو ربما قبل أن تصل إليه مشورةٌ إسرائيليةٌ ناصحة، إن استقرار السعودية مهمٌّ لاستقرار المنطقة والعالم. لم يكن للص الخيول هذا أن يقول إن إسرائيل ستزول إن أضير الحكمُ في المملكة بشيء، فهذا جارحٌ لمكانة الدولة التي يرأس حكومتها. أما زميلُه ترامب فلم يجد حرجا في أن يرمي هذا الحجر. وإذا أراد بعضُهم أن يحسب رميتَه هذه مزاودةً، فلا مشكلة، فالمهم أن يكون محمد بن سلمان في منجاةٍ من اتهامٍ قاطعٍ بتدبير قتل خاشقجي، في قنصليةٍ أو غيرها. وصحيحٌ ما رآه صاحب تشبيه سارقي الخيول أن نتنياهو يستخدم ترامب دعامةً لسياسته مرّة، وفي أخرى يستخدم ترامب نتنياهو لتبرير مواقفه، وفي هذه المرّة ألقى الأخير لصاحبه ما يُسعفه في مشكلة التنازع بينه وبين الصحافة وبعض الكونغرس. والسعودية، بحسب الكاتب نفسه، تُمسك بيديها الكأس المقدّسة التي يطمح نتنياهو في الوصول إليها، وارتداءُ ترامب درع إسرائيل الواقية للدفاع عن نفسه من الانتقاد العالمي، والحفاظُ على زبونٍ مهمٍّ لصناعة السلاح الأميركية، يستكمل وظيفة إسرائيل مستشارة له.
يخوض كتّاب الصحف العبرية كثيرا في أمر العربية السعودية، وفي حالها عرجاءَ في هذه الغضون، لكنهم، في الوقت نفسه، لا يقبضون ملعوب ترامب على محمل الجد، عندما يستخدم إسرائيل في مماحكة الكونغرس وتينك الصحيفتين المزعجتين. وهذا كاتبٌ آخر (يوغف ألباز)، في "هآرتس" أيضا، يُسهب، الاثنين الماضي، في نشر تفاصيل عونٍ إسرائيليٍّ عسكريٍّ للعربية السعودية، في أثناء حرب حلفائها في اليمن ضد الجيش المصري، زمن جمال عبد الناصر في 1963. كأنه يذكّر البلاط الملكي في الرياض بأن لدى إسرائيل كثيرا مما ينفعه بشأن الحوثيين وغيرهم، وبشأن إيران التي قال تركي الفيصل، في نيويورك قبل أيام، إن لا شيء يمنع من الاعتماد على إسرائيل بصددها.
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".