عن الانتخابات النصفية الأميركية

عن الانتخابات النصفية الأميركية

23 نوفمبر 2018
+ الخط -
أضافت نتائج الانتخابات النصفية الأميركية تعقيداً شديداً على المشهد السياسي الأميركي، فما كان يتوقع عن "موجة زرقاء"، أي سيطرة للحزب الديمقراطي على مقاعد مجلسي الكونغرس، النواب والشيوخ، انتهى إلى سيطرة الحزب على مجلس النواب فقط، وبنسبةٍ أقل بكثير مما كان متوقعاً.
صحيح أن سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس والبيت الأبيض انتهت، فقد حصل الديمقراطيون على 223 مقعدًا فقط في مجلس النواب، تاركين لهم خمسة مقاعد إضافية من الـ 218 اللازمة للسيطرة على موقع رئيس مجلس النواب الذي قد تشغله نانسي بيلوسي، وشغلته سابقا. وصحيحُ أن الديمقراطيين حققوا مكاسب مكّنتهم من السيطرة على مجلس النواب، وهي تبلغ 34 أو35 مقعدًا، إلا أنه مكسب بعيد عن التوقعات المفرطة التي توقعها كثيرون. بل يعتبر هذا الإنجاز، وضمن السياق التاريخي، متواضعاً للغاية، مقارنة مع ما حققه الحزب الجمهوري في فترة الرئيسين، باراك أوباما وبيل كلينتون، على اعتبار أن الحزب المناقض للحزب الحاكم في البيت البيض غالباً ما يحصد المقاعد في الانتخابات النصفية. وبمعايير أخرى، يعتبر هذا الإنجاز عرضاً متوسطاً للحزب الديمقراطي أمام الرئيس الجمهوري ترامب الذي يحظى بشعبية منخفضة للغاية، مقارنة مع أوباما وكلينتون اللذين حظيا بمعدلات تأييد أعلى من ترامب، خلال أول انتخابات نصفية، لكن هزائم أكبر بكثير مُنوا بها في مجلس النواب، ما يعكس أن ترامب ما زال قادراً على حشد شعبيته بشكل كبير.
وعلى مستوى مجلس الشيوخ، زاد الجمهوريون حصتهم وأغلبيتهم إلى 54 عضواً، أي كسبوا 
ثلاثة مقاعد إضافية. ولذلك حق للرئيس ترامب أن يفاخر بإنجازاته وقدرته على النصر، سيما أن الذين دعمهم فازوا، كما أن ضمان مجلس الشيوخ للحزب الجمهوري بأغلبية مريحة يريح ترامب نفسه من الأصوات التي تعارضه داخل الحزب الجمهوري، مثل السيناتور فليك عن أريزونا، وبالتالي لن يعود رهينة لها، أو يقدم تنازلات لكسب هذا الصوت، وفي الوقت نفسه، يضمن ترامب تعيين القضاة المحافظين، لأن تعيينهم يتم عن طريق مجلس الشيوخ فقط. ولعب دور ارتفاع نسبة مشاركة الناخبين في مناطق الريف في الولايات الحمراء بفوز مرشحي ترامب، ولكن أيضا وجود خريطة انتخابية مواتية للغاية، سمحت للحزب الجمهوري بالتفوق، لأن الانتخاب كان على 35 مقعداً في مجلس الشيوخ، ثمانية منهم كانوا في وضع تنافسي، وسبعة كانت للحزب الديمقراطي في ولاياتٍ فاز فيها ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2016.
ولم يتحقق هذا إلا أربع مرات في القرن الماضي، أي حصول الحزب الذي في البيت الأبيض على مقاعد إضافية في مجلس الشيوخ، وإنْ تعني سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، بشكل ما، عدم الرضا عن ترامب وسياساته. ولكن، في الوقت نفسه، فشل الحزب الديمقراطي في الاحتفاظ بمقاعده في مجلس الشيوخ. وتمكّن الحزب الجمهوري من السيطرة على هذه المقاعد يعني أن ترامب ما زال ورقة رابحة بيد الحزب الجمهوري، وربما يصبح أعضاء مجلس الشيوخ المنتصرين أكثر موالاةً له، وأكثر قربا من خطابه وسياساته، بالنظر إلى قدرته على الانتصار في الانتخابات النصفية، على الرغم من الحملة الإعلامية والدعائية ضده، والغضب الشعبي الكبير ضده ضمن قواعد الحزب الديمقراطي، ما يشير إلى انقسام عميق تمر به أميركا اليوم.
وهذا يترك الولايات المتحدة ممزّقة بين طرفين، يزدادان انعطافا باتجاه اليسار بالنسبة للحزب الديمقراطي، وباتجاه اليمين بالنسبة للحزب الجمهوري. إذ تريد القاعدة الديمقراطية، الممثلة في مجلس النواب، البدء بعزل ترامب بأي شكل، في حين يتوقّع المحافظون من أعضاء مجلس الشيوخ أن يتبنّوا تماماً أجندة ترامب في الهجرة والأمن والسيطرة على الحدود وغير ذلك. وستقطع كيفية توازن هذه المصالح المتنافسة شوطا طويلا في تحديد مدى كفاءة عمل واشنطن في العامين المقبلين. وقد تحدث الرئيس ترامب عن هذه الظروف المحفوفة بالمخاطر، وأظهر استعدادًا للتفاوض مع الديمقراطيين (واستعدادًا لسياسة الأرض المحروقة في معركته ضد مجلس النواب). ومع ذلك، النتيجة الأكثر واقعيةً أنه عندما يتعرّض البيت الأبيض لنتائج التحقيقات الخاصة بالمحقق مولر، فيما يتعلق بالتدخلات الروسية في الانتخابات الرئاسية عام 2016، فالمؤكد أن يقطع ترامب كل حباله مع الحزب الديمقراطي، ويدخل في حربٍ مفتوحةٍ مع مجلس النواب.
هذا هو السيناريو الأقرب للتطور، وهو ما يدفع ترامب ربما إلى التركيز على السياسة الخارجية، بعد فشله في تمرير الكونغرس أي تشريع، وفشله في ما وعد به بتغيير قانون الضمان الصحي الذي أقرّه الرئيس أوباما، وجعله الديمقراطيون شعارا انتخابيا لهم في الانتخابات النصفية.
BCA0696E-8EAC-405E-9C84-3F8EA3CBA8A5
رضوان زيادة

كاتب وباحث سوري، أستاذ في جامعة جورج واشنطن في واشنطن