بن سلمان.. ضرورة الضار

بن سلمان.. ضرورة الضار

23 نوفمبر 2018
+ الخط -
بمنطوق رئيس الولايات المتحدة الأميركية، فإن بقاء محمد بن سلمان في ولاية العهد، على طريق حكم السعودية، ضرورة لأميركا ومصالحها، وضرورة لإسرائيل وأمنها. يجب ألّا تزعجنا صراحة الرئيس دونالد ترامب، أو وقاحته، وهو يبادل قيم الولايات المتحدة بالدولارات. لا ينبغي لنا أن ننسى أن سيد البيت الأبيض هو في الأصل سمسار عقارات، تعلو عنده القيمة على القيم. وفي ميزانه ترجح كفّة الأوراق الخضراء على كفّة الأخلاق.
يرى ترامب في ولي العهد السعودي ضرورة لحلب استثمارات رفع سقفها إلى 450 مليار دولار، بعدما كان يردد أن السعوديين وافقوا على ضخ 110 مليارات دولار في الاقتصاد الأميركي. ومحمد بن سلمان ضرورة للولايات المتحدة في سوق النفط أيضاً، حيث يدفع "ترامب المٌضارب" إلى خفض أسعار الخام إلى أدنى مستوى ممكن، لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، خصوصا الضغط على الاقتصاد الروسي. وصفقة "النفط مقابل براءة بن سلمان من دم جمال خاشقجي" لم تعد خافية، فبعد سويعاتٍ من البيان الرمادي للبيت الأبيض بشأن علاقة محمد بن سلمان بجريمة اغتيال خاشقجي، والذي وصفه المراقبون محاولة ترامبية بائسة ومخزية لتبرئة بن سلمان، ردَّ الأخير الجميل بتخفيض أسعار النفط، ثم غرّد ترامب فرحاً بالكرم السعودي: "أسعار النفط تتراجع. عظيم! هذا تخفيض ضريبي كبير لأميركا والعالم. 54 دولاراً لبرميل النفط، كانت 82 دولاراً. شكراً للسعودية، ولكن دعونا نذهب إلى أسعار أقل". وأضاف ترامب، في تغريدة أخرى: "لنجعل أميركا عظيمة مجدّدا".
ومهما حاول ترامب إخفاء مصالحه الشخصية، ومصالح عائلته في ضرورة بقاء محمد بن سلمان على سدة حكم السعودية، وزعمه أن "لا مصالح شخصية له في ذلك"، وأنه "يضع مصالح أميركا أولا"، فإن عيون زوج ابنته، جاريد كوشنر، تفضح معنى ومدى الضرورة التي يراها صهر الرئيس في بقاء محمد بن سلمان على العرش السعودي، لا لجني مكاسب مالية واستثمارية، على أهميتها لشركات الرئيس وصهره، ولكن خدمة لإسرائيل وأمنها. وفي كتاب "الخوف"، يكشف الصحافي الأميركي، بوب وودوورد، النقاب عن دور كوشنر في تنصيب محمد بن سلمان وليا للعهد، وعن سعي زوج إيفانكا إلى توثيق التحالف بين إسرائيل والسعودية. ولا تقتصر ضرورة بن سلمان في ملف الصراع العربي- الإسرائيلي، في منطوق كوشنر وعمه ترامب، على تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، أو تعويم التطبيع بين إسرائيل وكل العواصم العربية، وإنما المشاركة الفعلية في تصفية القضية الفلسطينية، ضمن ما تعرف بـ"صفقة القرن". 
ومحمد بن سلمان "ضرورة" و"حليف استراتيجي" في نظر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو أيضاً، بل هو "الزعيم الذي كانت تنتظره إسرائيل منذ خمسين عاما"، وإن "عزله يعتبر مدمراً بالنسبة لإسرائيل"، كما تقول الكاتبة الصهيونية، تسفيا غرينفيلد، في صحيفة هآرتس، وتضيف أن "الإسرائيليين ظلوا خمسة عقود يصَّلون من أجل ظهور زعيم عربي كبير، يوافق على توقيع اتفاق تاريخي مع إسرائيل، وها قد وصل هذا القائد أخيراً ممثلاً بمحمد بن سلمان".
لكن "الزعيم الضرورة" لترامب ونتنياهو ليس كذلك بالنسبة للمواطن السعودي، بل يرى سعوديون كثيرون بن سلمان ضاراً ببلدهم، ومُضراً بسمعة المملكة ومكانتها. بل صار "سامّاً"، على حد تعبير السيناتور الأميركي ليندسي غراهام. فولي العهد الطموح لا يتورّع عن تسلق العرش على أكتاف مئات المعتقلين والمنفيين من النشطاء السلميين وعذاباتهم. ويرى السعوديون أن طيش بن سلمان "الإصلاحي" أضر بالمصالح السعودية، إذ تضخم الإنفاق الحكومي، وتراجع النمو، وانكمش سوق العمل، وهربت رؤوس الأموال، وتجمّدت الاستثمارات. ناهيك عن الأضرار الجمّة التي لحقت بالمملكة، بعدما ورّطها بن سلمان في أزمات سياسية مع قطر وكندا وإيران، وبعدما أغرقها في مستنقع حرب اليمن الدامية، قبل أن يرميها في أتون أزمةٍ أخلاقية مع العالم، "عَلِم أو لم يَعلَم" بجريمة اغتيال خاشقجي.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.