المجزرة السورية وهذا الإعلام العالمي

المجزرة السورية وهذا الإعلام العالمي

18 نوفمبر 2018
+ الخط -
يعرّف الإعلام بأنه "السلطة الرابعة" الجديدة التي فرضتها مراحل التطور لكل الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، القادرة على الدخول إلى عوالمنا، وبث محتوياتها في حواسنا كلها، وهو سلطةٌ حقيقيةٌ تفوق قدرتها قدرات السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، لأن الإعلام وحده القادر على التأثير في كل هذه السلطات، لكن الكارثة السورية عرّت الإعلام العالمي، وعرّت قصر نظره ومحدودية حياديته وبراءة ما قام به ثماني سنوات، وكيف كان لهذا الإعلام الدور الأكبر في استمرار المذبحة.
تصدّرت المجزرة السورية، أخيرا، وسيلتين إعلاميتين مهمتين، في بلدين أوروبيين مختلفين، صحيفة التايمز البريطانية والقناة الفرنسية فرانس إنفو، معرّية دور الإعلام نفسه في نقل الحقائق المنقوصة والمزيفة، وفي اتكاء اليمين العالمي، بكل ما يمثله من أحزاب يمينية محافظة، ومن رجالات دين مسيحي، على محور ثقافة "الإسلاموفوبيا"، وجعله الزاوية الوحيدة التي ينظر إلى الفاجعة السورية بها، من خلال تصعيد حالة الرعب العالمية من الإسلاميين المتشدّدين، أو من خلال هذه الثقافة التي صنعتها الدول المتقدّمة، للاستمرار بتجارة سلاحها، وللاستمرار في الهيمنة على مصادر النفط، ولإيجاد عدو جديد بعد انتهاء العدو الشيوعي، كل هذا جعل اليمين العالمي يهيئ الإعلام لدعم بشار الأسد ووحشيته، لأنه يقضي على "الإرهاب".
اليوم، وبعد مليون قتيل وعشرة ملايين نازح، يعتذر الإعلام عما فعله اليمين الأوروبي في سورية، كأنه يعتذر عن خطأ إملائي في نص مسرحي طويل، فقد ذكرت صحيفة التايمز البريطانية، في افتتاحيتها، يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول، "إن المدافعين عن الأسد: قساوسة بريطانيون وبرلمانيون كانت لديهم أفكار مضللة عن المسؤولية الأخلاقية عن الصراع في 
سورية، وكانوا يقدّمون الدعم غير المتوقع لنظام بشار الأسد طوال هذه الفترة، بناء على هذه الأفكار"، متذرّعة بأن قساوسةً كانوا قد زاروا سورية لتقصي الحقائق، كما أن القس أندرو أشداون كان رئيس الوفد غير الرسمي لأعضاء مجلس اللوردات ورجال الدين إلى سورية، وكان ما رآه في دمشق لا يدل على أن نظاما مجرما يقتل شعبه، مبرّرة عدم قدرته على معرفة الحقائق بسبب سذاجة سياسية، وبسبب عدم اطلاع على الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط، على الرغم من كل ما تنقله وسائل الإعلام. وعلى الرغم من كل هذا العدد من القتلى والمعتقلين واللاجئين السوريين، وكل هذا الدمار في أغلب المدن السورية. وكتبت إن القس حين عاد، واطلع على حقائق ما يجري، عاد إلى بريطانيا وقدم تقريرا لم ينشر، وأنحى باللائمة على بريطانيا في سقوط قتلى كثيرين، واعتذر ممن فقدوا ذويهم وأقاربهم.
واعترفت الصحيفة البريطانية بأن الهجوم الذي يشنه رأس النظام في سورية، بشار الأسد، على الشعب السوري مستمر مدة تزيد على الحرب العالمية الثانية بعام، وإن وصف ما يجري في سورية بأنه "حرب أهلية" ليس دقيقا؛ فالحرب تتطلب جانبين متكافئين، بينما في سورية ديكتاتور بجيشٍ كامل مسلح يحارب شعبا أسيرا.
أما القناة الفرنسية فقد عرضت تقريراً مصوراً عن مشروع منظمة العفو الدولية، ضمن برنامج "مراسل خاص" وذكرت القناة أن العاملين في هذا المشروع كانوا قد استمعوا لروايات ثمانين شاهدا من المعتقلين السابقين في سجن صيدنايا. وبناء على ذاكرتهم السمعية، وضع مختصون تخيلا لعالم ذلك السجن. وأعاد مهندسو الصوت تصميم الأصوات داخله، بالاستناد إلى ذاكرة المعتقلين، لا سيما جلسات التعذيب والضرب، أو أصوات الأبواب والخطوات في الممرات. وأضافت أنه بعد عام ونصف العام من الدراسة والتحقيقات، تم وضع مجسم ثلاثي الأبعاد، وصور تخيلية لداخل السجن، فصار في وسع العالم رؤية ما يخفيه النظام السوري خلف تلك الجدران التي لم يطأ أرضها صحافي واحد.
ونشرت أيضا قناة "فرانس إنتر"، الفرنسية أيضا، تقريرا ثانيا عن السجون السورية بعنوان "داخل الجحيم السوري"، محاولة تقديم حجم الفظاعات الإنسانية التي تتم داخل هذه الأماكن المعزولة. وقد انتهى التقرير إلى السؤال: هل ستتم محاكمة بشار الأسد يوماً ما؟ وقالت مقدمة البرنامج إن هذا اليوم يبدو الآن بعيداً. لكن هناك فريق عمل، في مكان ما في أوروبا، غير معرَّف لأسباب أمنية، التقاه مراسل القناة، استطاع اختراق النظام السوري، وجمع وثائق رسمية تتعلق بالجيش والمخابرات.
لا يعرف السوريون الآن ما الذي سيقدّمه لهم اعتذار صحيفة التايمز، ولا يمتلكون الثقة بأن جهة قضائية ما قد تستطيع يوما أن تعاقب كل من قتلوا أولادهم وأحلامهم وحياتهم ومستقبلهم.

E928EA8B-DC47-4385-9F66-8409C3A306CB
E928EA8B-DC47-4385-9F66-8409C3A306CB
ميسون شقير

كاتبة وإعلامية سورية

ميسون شقير