الخلاصات والمآلات

الخلاصات والمآلات

18 نوفمبر 2018
+ الخط -
شهدت قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في الساعات الماضية، تحولاً نوعياً، تمثّل في نقل صحيفة واشنطن بوست معطياتٍ عن خلاصاتٍ توصلت إليها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، ومفادها بأن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، هو من أمر بتنفيذ الجريمة. ومؤكد أن هذه الخلاصة التي تكونت لدى الاستخبارات الأميركية موجودة لدى أجهزة استخبارات عديدة أخرى، وفي مقدمتها التركية والبريطانية والفرنسية والألمانية، وهي قناعة لدى كل من تابع أخبار مقتل خاشقجي منذ اللحظة الأولى، وهي لم تكن بحاجة إلى "خلاصاتٍ" تخرج بها الاستخبارات، على الرغم من الأهمية المعنوية لما خرجت به "واشنطن بوست".
غير أن تحويل هذه الخلاصات إلى أفعال هو العقدة  التي تواجهها الدول الغربية، الحريصة على علاقاتها مع السعودية، وفي المقدمة تأتي الولايات المتحدة، فما سرّبته الصحيفة الأميركية نقلاً عن الاستخبارات المركزية مؤكّد أنه موجود على طاولة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منذ زمن، غير أنه مع ذلك لم يتوجه باللوم بشكل مباشر إلى ولي العهد السعودي، بل على العكس، إذ نقلت "واشنطن بوست" عن مساعدين لترامب قولهم إنه جرى إطلاعه سرّا على دليل تورّط بن سلمان. ولكن على الرغم من ذلك، كانت لدى الرئيس شكوك حول إصدار ولي العهد السعودي الأوامر بارتكاب الجريمة. وأشارت إلى أنه سأل الاستخبارات والخارجية الأميركيتين عن مكان جثة خاشقجي، وكان محبطاً لعدم تمكّنهما من تقديم إجابة. كما أخبر ترامب كبار المسؤولين في البيت الأبيض أنه يريد بقاء بن سلمان في السلطة بذريعة مواجهة إيران، فضلاً عن رغبته بأن لا يؤدي الجدل بشأن وفاة خاشقجي لإعاقة المملكة إنتاج النفط. تسريبات أكدها ترامب بشكل غير مباشر في تغريدة أمس، بعد مقال "واشنطن بوست"، حين كتب أنه "كرئيس علي أخذ أمور عديدة بالاعتبار"، في إشارة إلى محاولة عدم إلقاء المسؤولية في مقتل خاشقجي على محمد بن سلمان.
لم تقف المحاولات عند ترامب، فمستشاره للأمن القومي، جون بولتون، سعى إلى إخراج محمد بن سلمان من مسرح الجريمة بشكل كامل. وعملت على الأمر نفسه وزارة الخارجية الأميركية، حين رحبت بالرواية السعودية الجديدة التي صدرت قبل أيام، وبالاتهامات التي وجهت، على الرغم من أنها عمدت إلى حصر الجريمة ببعض المنفذين المباشرين، وليس كلهم، وأخرجت نائب مدير المخابرات، أحمد العسيري، والمستشار في الديوان الملكي، سعود القحطاني، من المشهد تماماً. فمن الواضح أن السعودية ليست في وارد محاسبة أي مسؤول رفيع المستوى في جريمة قتل خاشقجي، فحتى الكلام السابق عن تحويل قحطاني وعسيري إلى كبش فداء لبن سلمان لم يعد قائماً، وهو ما رحبت به وزارة الخارجية الأميركية، على الرغم مما لدى وكالة الاستخبارات المركزية من معلومات أو خلاصات.
واضحٌ أن الخلاصات شيء ومآلاتها شيء آخر تماماً، فعلى الرغم من كل ما تملكه الاستخبارات الأميركية والتركية من معلومات، وحتى لو كانت هناك تسجيلات تدين بن سلمان مباشرة، فإن القرار الأميركي الرسمي لا يبدو أنه سيسير في هذا الاتجاه، لاعتبارات عديدة، سياسية وعسكرية واقتصادية. وهو ربما ما تتفق فيه بعض الدول الغربية مع الولايات المتحدة، والتي تسعى إلى محاولة إغلاق الملف سريعاً، وعقد مقايضاتٍ مع الأطراف المعنية، تركيا خصوصا، لطي صفحة خاشقجي، وإبقاء الوضع السياسي في السعودية على ما هو عليه.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".