آلية للحوار المغربي‮ ‬الجزائري‮.. ‬أية قراءة‮؟‬‬‬

آلية للحوار المغربي‮ ‬الجزائري‮.. ‬أية قراءة‮؟‬‬‬

13 نوفمبر 2018
+ الخط -
‬تأخر‮ ‬رد الجزائر‮ ‬الرسمي،‮ ‬إزاء المبادرة المغربية التي‮ ‬أطلقها الملك محمد السادس،‮ في‮ ‬كلمة استهل بها خطابه ‬المعتاد كل سادس من نوفمبر/ تشرين الثاني (ذكرى المسيرة الخضراء إلى الصحراء)، ‬بإحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور بشأن القضايا العالقة بين البلدين،‮ "‬يتم الاتفاق على تحديد مستوى التمثيلية بها،‮ ‬وشكلها وطبيعتها‮". وأورد الملك أجوبة عن دائرة اهتمام هذه الآلية وطريقة اشتغالها بتدقيق إطارها الذي‮ ‬يود أن تولد فيه،‮ ‬وذلك ‬بالانفتاح على‮ "‬الاقتراحات والمبادرات التي‮ ‬قد تتقدّم بها الجزائر،‮ ‬بهدف تجاوز حالة الجمود التي‮ ‬تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين"، والانكباب على دراسة جميع القضايا المطروحة،‮ "‬بكل صراحة وموضوعية،‮ ‬وصدق وحسن نية،‮ ‬وبأجندة مفتوحة،‮ ‬ودون شروط أو استثناءات‮"، و"‬تعزيز التنسيق والتشاور الثنائي‮ ‬لرفع التحديات الإقليمية والدولية،‮ ‬لا سيما في‮ ‬ما‮ ‬يخص محاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة".‬
وعلى الرغم من أن‮ المغرب وضع بين‮ ‬يدي‮ ‬جارته الشرقية مصير هذه المبادرة،‮ ‬‬فإلى حد كتابة هذه السطور، ‬لم‮ ‬يصدر عن قصر المرادية‮ الجمهوري في عاصمة الجزائر‮ ‬أي‮ ‬رد إزاء هذه الدعوة‮ ‬غير المسبوقة‮‬،‮ ‬اللهم‮ ‬ما تورده الصحافة،‮ ‬القريبة منها والبعيدة عن مراكز القرار من قراءاتٍ‮ ‬غير رسمية‮. بيد أن مقارباتٍ عديدة لم تستبعد اعتبار "‬المفاجأة‮"‬ ‬عنصرا محدّدا‮ وراء هذا التريث الجزائري،‮ ‬بالإضافة إلى ما قد‮ ‬يكون من تضاربٍ في‮ ‬تفسير الدعوة الملكية المغربية وتأويلها داخل منظومة القرار الجزائري‮،‮ ‬في‮ ‬الظروف التي‮ ‬تعيشها البلاد‮ ‬على‮ ‬مستوى الكرسي‮ ‬الجمهوري‮ ‬وتحت قبة البرلمان والتغييرات الهيكلية في‮ ‬الموارد البشرية‮ ‬في‮ ‬المؤسسة العسكرية،‮ ‬الصانعة الكبرى والصامتة للقرار‮.‬

لم تكن دعوة‮ ‬الملك إلى مد الجسور مع الجزائر، بدون شروط وثنائيا،‮ متوقعة،‮ ‬لا في‮ ‬المنتديات الخاصة والرفيعة للبنية السياسية المغربية، ولا في‮ ‬أوساط البناء الإعلامي‮ ‬للمواقف‮.‬ وهي‮ ‬رسالةٌ تسير عكس سياق التوتر ‬الذي‮ ‬يطبع العلاقات منذ‮ ‬نصف قرن،‮ ‬بشكل متقطع ومنذ‮ ‬1995،‮ ‬عند إغلاق الحدود بشكل متصل‮، غير أن القراءة‮ ‬‬التي‮ ‬لا تغيّب الطابع النزيه والصادق‮ ‬والأريحي‮ ‬للرسالة المغربية إلى الجارة الشرقية،‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن تغفل‮ ‬‬سياقها الذي‮ ‬وردت فيه‮.‬
وهناك أولا سياق الدعوة‮ ‬في‮ ‬نص الخطاب،‮ ‬أي‮ ‬في‮ ‬أنها جاءت عتبة للخطاب الملكي،‮ ‬بدأ بها قبل أن‮ ‬يتناول القضية الوطنية للمغاربة‮ وتفاعلاتها الدولية‮. ‬وقد مكّن لهذا الترتيب أن‮ ‬يأخذ معنى سياسيا، باعتبار أن ملك البلاد اختار أن‮ ‬يتوجه إلى الجزائر،‮ ‬باعتبار العلاقة معها، في‮ ‬التقدير‮ المغربي‮،‮ ‬يمكنها أن تتحرّر من ظلال القضية الترابية المقدسة للمملكة، إذا شاءت الجزائر‮.‬ وهو، في‮ ‬الوقت نفسه، ‬يعرض على الجزائر فصلا بين القضية المركزية بالنسبة للمغرب والقضية الثنائية المتعلقة بالأخوة والبناء المغاربي‮ ‬المشترك‮، وهو عرض‮ ‬يمكن أن‮ ‬يساير،‮ ‬ولو ظاهريا،‮ ‬الأطروحة الجزائرية بأنها تفصل بين الموقفين‮، غير أن الزاوية نفسها،‮ ‬أي‮ ‬منطق السياق الذي‮ ‬ترد فيها،‮ ‬يحمّلها، في‮ ‬الوقت نفسه، معنى مرتبطا ارتباطا وثيقا بمجريات الحقل الحالي.
وهناك أن السياق هو الذي‮ ‬يعطي‮ ‬المعنى‮. ‬ومنطقه‮ ‬يجعل المبادرة ضمن منظومة‮ الرسائل المرتبطة بتحليل معطيات ما بعد قرارات مجلس الأمن في‮ ‬31 ‬أكتوبر/ تشرين الأول الماضي‮، ‬أو قبل لقاء جنيف المنصوص عليه‮ ‬في‮ ‬القرار، والمنتظر في‮ ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وذكرى المسيرة الذي‮ ‬كانت مناسبة الدعوة‮‮ ‬أعطت الرسالة معناها‮، ‬فالمسيرة ‬كانت بداية تحرّر الأرض، وإعادة تعريف المغرب وحدته الترابية، منذ حرم منها في‮ ‬بداية القرن العشرين، ضمن تقسيم التركة الاستعمارية‮.‬ وهي،‮ ‬في‮ ‬الوقت نفسه، لحظة استعادة تاريخ مفصلي‮ ‬في‮ ‬حياته الوطنية المستقلة،‮ ‬والتي‮ ‬تفرّعت عنها القضية، عندما رفضت الجزائر هذا المعطى التاريخي‮ ‬الترابي‮ ‬الإنساني‮.
وفي‮ ‬سياق القرار الأممي‮ أخيرا،‮ ‬نجده أنه وضع الجزائر في‮ ‬قلب القضية الترابية للمغرب‮، فهي‮ ‬ثالث دولة مغاربية معنية بالحل‮ ‬في‮ ‬نزاع طال واستطال،‮ ‬بل بالمشاركة في‮ ‬صنع مستتبعاته‮. ‬ولا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتم فصلٌ ميكانيكيٌ‮ ‬حاسم بين سياق الدعوة وسياق ما بعد القرار، ‬لا سيما وأن بعض حيثياته تخلص إلى أن استحالة الحلول التي‮ ‬عرضت، إلى حد الساعة،‮ ‬تقوّض، في‮ ‬النهاية، بناء المغرب الكبير، وتنخر العلاقات المغربية الجزائرية التي‮ ‬تشكل قطب الرحى فيها‮. ‬وعليه، فإن الحيثيات التي‮ ‬بنى عليها‮ ‬الملك‮ دعوته هاته‮،‮ ‬نجد أن بعضها،‮ ‬من قبيل البناء المغاربي،‮ ‬التحدّيات المشتركة،‮ ‬عدم الاستفادة من الإمكانات الهائلة للبلدين والمنطقة‮… ‬إلخ،‮ ‬وردت حرفيا وضمنا أيضا في‮ ‬القرار الأممي‮ ‬المذكور، وفي‮ ‬تقدير شروط المفاوضات‮.‬
‮‬وفي‮ ‬سياق محايث،‮ ‬نجد التوقعات الخاصة بلقاء جنيف‮، ‬إذ سيكون على الدولتين اللقاء في‮ ‬جنيف، للتفاوض بشأن شروط التفاوض في ما يتعلق بالحل السياسي‮ ‬النهائي‮ ‬المقبول من كل الأطراف في‮ ‬قضية الصحراء‮.‬ والجزائر ستحضر بمتقضى القرار الأممي‮ ‬بلدا معنيا،‮ ‬وهو أمر طالب به المغرب مرارا‮، وتحت مظلةٍ أمميةٍ ظلت ترفض الانخراط فيها،‮ ‬بدعوى أن الخلاف ثنائي‮ ‬مغربي ‮- ‬انفصالي. وعليه، فإن الدعوة المغربية،‮ ‬منظورا إليها من‮ زاوية داخلية، ‬تستوجب قراءتها عبر الشبكة التالية‮:‬ ‬الجزائر وجدت نفسها الآن أمام خيارين بمضمونيْن: خيار أجمعت عليه تقريبا كل دول مجلس الأمن،‮ ‬يورّطها عمليا في‮ ‬البحث عن السلم، وهو ما‮ ‬يفترض فيها أن تكشف عن أوراقها أمام العالم‮. وقد أصبح هذا الخيار في‮ ‬حكم الشيء المقضي‮ ‬به دوليا‮. ‬ويشترط التفاوض تحت الرعاية الدولية،‮ ‬أي‮ ‬بحضور الوسطاء،‮ ‬وبالتالي‮ ‬الترابط بين القضيتين، الوطنية والثنائية،‮ ‬وهو ما تقول إنها ترفضه‮. والخيار الثاني‮ ‬هو الذي‮ ‬ورد في‮ ‬المقترح المغربي‮، ‬أي وجها لوجه،‮ ‬وبشكل ثنائي،‮ ‬وتحت مظلة مغاربية تاريخية وروحانية ومصلحية،‮ ‬خيار فصل مسار‮ قضية الصحراء‮ ‬عن قضايا العلاقات الثنائية‬،‮ ‬وفي‮ ‬اختيارها سيتحدد موقفها بالواضح‮، ‬لا بالتحليل والاستنتاج الرياضي‮.

‮كيف ستتطوّر الأمور، وفي‮ ‬أي‮ ا‬تجاه؟ إما تختار الدولة الجزائرية القبول،‮ ‬وبذلك يبدأ تاريخ جديد، لا‮ ‬يحدّد ملامحه سوى ما‮ ‬يتم الاتفاق عليه‮.‬ أو الرفض،‮ ‬وسيكون تكريسا للواقع الموجود،‮ ‬مع تبعاتٍ دولية، ستخيم على لقاء جنيف، وعلى تفاصيل ما بعده ومخرجاته الممكنة‮.‬ القبول هو دخول المنطقة في‮ ‬منطق جديد للغاية، طالما بحثنا عنه جميعا منذ الحرب التحريرية‮. ‬وفي‮ ‬هذا المنطق، سيكون المغرب والجزائر رابحين معا، وللمغرب ثواب من أصاب بالدعوة‮.‬ والرفض هو إبقاء الأمر على ما هو عليه،‮ ‬مع‮ ‬استحضار الظروف الحالية‮. ‬وتبقى الدعوة الملكية إلى إنشاء آلية تشاور وحوار، مغربية جزائرية، ‬محاولة جادة للخروج من التضاد القاسي‮ ‬الذي‮ ‬فرضته سياسة الدولة الشقيقة في‮ ‬العلاقة البينية‮. وهي‮ ‬فرصة تقلص من‮ ‬دور اليد الدولية في‮ ‬رسم معالم ما بعد المفاوضات المقبلة،‮ ‬وتحرير المستقبل‮ من نتائجها الدولية،‮ ‬وهو تحوّل سيكون من الصعب‮ ‬قبول أن ترفضه دولة بنت دعوتها الديبلوماسية على‮ ‬تحرير القرار‮ ‬السيادي‮ ‬من رهاناته الإقليمية والدولية.
إلى الساعة، لم‮ ‬يرد رد الجزائر،‮ ‬لكن الصحف‮،‮ ‬القريبة والبعيدة عن مراكز القرار من قراءات‮ ‬غير رسمية، ‬تعود الى الماضي‮ ‬القريب للغاية،‮ ‬من قبيل‮ ‬إلغاء زيارة أحمد أويحيى، الوزير الأول سنة‮‬2005‮ ‬، الرباط، أو حدث اعتداء مواطن مغربي‮ ‬على قنصلية الجزائر في الدار البيضاء في‮‬2013‮ ‬، والذي‮ ‬عاقبه القضاء المغربي،‮ ‬من الأشياء التي‮ ‬لا تحتفظ بها ذاكرات الشعوب عند اللحظات المفصلية‮.‬
هل سيتم اختيار الماضي‮ ‬القوي‮ ‬أم الماضي‮ ‬الضعيف في‮ ‬تحديد الموقف؟ في‮ ‬انتظار الجواب،‮ ‬لا بد من القول إنه‮ ‬لا يمكن اعتبار دعوة‮ الملك محمد السادس "‬لا حدثا‮"، ‬نظرا للتجاوب المغاربي‮ ‬والعربي‮ ‬والدولي‮ ‬معها.
768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.