اليمن.. ماذا بعد؟

اليمن.. ماذا بعد؟

10 نوفمبر 2018
+ الخط -
قرّر الأميركيون فجأة الضغط في اتجاه الملف اليمني. منحوا مهلةً تنتهي تقريباً مع نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، للشروع في الحلّ السياسي. احتدمت المعارك في مدينة الحديدة الساحلية، المطلّة على البحر الأحمر. الجميع يريد تحقيق مكاسب ميدانية قبل الانخراط في المفاوضات المقبلة برعاية الأمم المتحدة، في السويد. يرغب المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، في تحقيق ما لم يحققه سلفاه، جمال بنعمر وإسماعيل ولد الشيخ. يظهر من خلال ذلك أنه حين أراد الأميركيون فعل شيء ما، بات الزّخم عنوان الحراك اليمني. زخم لا يأبه بحيوات 14 مليون يمني سيعانون من المجاعة، وفقاً للمنظمات الدولية. ماذا يعني هذا كله؟ يعني أن واشنطن ترغب في نقل اليمن من الحرب، المفتوحة على امتداد البلاد تقريباً، إلى حرب ترسيخ مواقع جغرافية، ترسم معها حدود الأقاليم المنبثقة عن المعارك، وصولاً إلى حدّ تكريس الانقسام الحالي في البلاد، على شكل نصوص دستورية، في ظلّ مساعٍ داخلية وإقليمية لتوسيع رقعة هذه الأقاليم، قبل إقرارها في المفاوضات.
السعوديون والإماراتيون، ومعهم الحكومة الشرعية اليمنية، قرّروا الاستعجال في حسم معركة الحديدة، مع تصعيد المعارك في مناطق كانت أهدأ نسبياً في الأشهر الماضية. في المقابل، يسعى الحوثيون وخلفهم إيران، وفي ظلّ الضغط الميداني عليهم، إلى ترسيخ حدودهم في الحديدة، كي لا يفاوضوا لاحقاً من على حدود صنعاء أو حتى صعدة.
الوضع الميداني والسياسي لا يهمّ عملياً، فالمستوى الثاني من الملف اليمني يتضمن تثبيت حدود الأقاليم الجديدة، مع عدم التطرّق إلى نفوذ الدول المجاورة في كل إقليم. بالتالي، يمكن الاتفاق على صيغةٍ تضمن تحييد مضيق باب المندب عن كل مسارات المعارك، ولكن من دون الاتفاق على حلّ جذري للأزمة الانسانية المتفاقمة. 14 مليون إنسان ليس رقما سهلا، لتدبير أمورهم وتأمين حاجاتهم الغذائية والطبية، خصوصاً أن الصليب الأحمر الدولي والمنظمات الإنسانية غير قادرين على تلبية تلك الحاجات. تكفي المقارنة بين هؤلاء وأي زلزال أو تسونامي وقع في الفترة الأخيرة، لفهم مدى فداحة الحالة الإنسانية.
قد تنجح الولايات المتحدة والأمم المتحدة في رسم مستقبلٍ سياسيٍّ لليمن، مهما كانت صيغته، لكن الأمر لا يكفي. البلاد تحتاج إلى أكثر من حل سياسي مرحلي، على أساس أن الحل الدائم يُستتبع بعد تكريس حدود الأقاليم. اليمن بلاد منكوبة، والتقليل من أهمية ما يحدث هناك شبيه بالتقليل من أهمية ما حصل في ضحايا الحرب العالمية الثانية مثلاً. بالاضافة إلى ذلك، المستقبل غير مشرق، على اعتبار أن الدول ذات النفوذ في اليمن لن تهدأ ما لم تكسب حصصها السياسية، ناهيك عن الاستغلال الاقتصادي لموقع البلاد الجيوبوليتيكي وثروتها النفطية.
وينوي الأميركيون تجميد الملف اليمني، من دون إيجاد أطر واقعية وسريعة للمشكلات الإنسانية فيه، ما يعني أن ملفاً آخر سيُفتح في الشرق الأوسط، ما بين العراق ولبنان. وعادة، هناك قضية مركزية في هذه البقعة من العالم، هي القضية الفلسطينية، التي تبقى "دائمة" في كل وقتٍ، في مقابل ملفات وقضايا تُفتح وتُقفل بحسب الحاجة الدولية، بعيداً عن رغبات الشعوب أو إرادتها. في العراق مثلاً، فإن أقصى ما يمكن أن يحصل محاولة رئيس حكومتها، عادل عبد المهدي، التوفيق بين اختيار وزراء حكومته وإرادة البرلمان، في ظلّ قرار ضمني بالمحافظة على الحدّ الأدنى من الهدوء الأمني بعد مرحلة "داعش". وفي لبنان، الوضع متشعّب أكثر، من أزمة حكومية، إلى تهديدات اسرائيلية متلاحقة بضرب ما تقول تل أبيب إنها "مواقع لصواريخ دقيقة لحزب الله"، وصولاً إلى دقة الوضع الاقتصادي فيه. وعليه، فإن الزخم الحالي في الملف اليمني سيفتح الباب أمام بروز قضية أخرى في منطقةٍ لا تعرف السلام في جيناتها.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".