الأردن.. الدولة الرخوة

الأردن.. الدولة الرخوة

02 نوفمبر 2018
+ الخط -
فقد الأردن الأسبوع الماضي 21 شخصاً، أغلبهم تلاميذ مدرسة، نتيجة فيضان مياه الأمطار في أحد الأودية في منطقة البحر الميت، أخفض بقعة في العالم، تاركاً البلاد تغرق في موجة من الحزن والصدمة، وواضعاً مؤسسات الدولة الأردنية أمام اختبار صدقيتها وانكشافها معاً.
على الرغم من أن الجدل الوطني العام تركّز في البحث عن الجهة المسؤولة عن هذه الفاجعة، فيما عبّر العاهل الأردني عن صدمته وغضبه، ودعا إلى محاسبة المقصرين، إلا أن النقاش العام في البلاد عبّر، في جوهره، عن حالةٍ من تنامي فقدان الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، وسط حالة من التشكيك بكل ما هو رسمي. ولعل السيل المتدفق الذي سحب معه أجساد الفتية والأطفال الغضة نحو البحر الميت سحب ضمناً، وبالتدفق نفسه، صدقية مؤسسات الدولة وسمعتها التي باتت على المحكّ.
تتفشّى في المملكة التي يناهز عمرها المائة عام ملامح ارتخاء هيبة الدولة وسمعتها، وكذا ثقة المواطنين فيها، خصوصاً في العالم الافتراضي الذي تسعى الحكومة إلى فرض قانونٍ يجرّمه تحت عنوان قانون الجرائم الإلكترونية، والذي يناقشه البرلمان الأردني، وقدّمته الحكومة أخيراً في مواجهة سيل من الشائعات والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، اعتبرتها السلطات الأردنية مسيئة، وتحثّ على الفوضى. وقد أثار القانون جدلاً واسعاً في الأردن الذي يعوم على بحر من الشائعات، والقلق على مصير البلاد التي تقف اليوم على فالق زلزالي شمالاً من تداعيات الأزمة السورية، وشرقاً أزمة العراق، وغرباً ملامح صفقة تصفية القضية الفلسطينية، والتي تمس بشكل مباشر استقرار البلاد وهويتها ووجودها.
على الرغم من أن البلاد تمتلك مصفوفة قانونية ودستورية متطوّرة، تشمل في موادها الأساس التأكيد على تداول السلطة واحترام حقوق الإنسان، ووجود مؤسسات وطنية سياسية وأمنية 
وقضائية ورقابية، إلا أن البلاد تواجه حالة من الشلل، وانهياراً في الإدارة العامة تضع البلاد في خانة ما تسمّى "الدول الرخوة". وهذا مفهوم طرحه عالم الاقتصاد والاجتماع السياسي السويدي، جنار ميردال، في سنة 1970، ويعني "الدولة التي تصدر القوانين ولا تطبقها، ليس فقط لما فيها من ثغرات، ولكن لأن لا أحد يحترم القانون. الكبار لا يبالون به، لأن لديهم من المال والسلطة ما يحميهم منه، والصغار يتلقون الرشاوى لغض البصر عنه". أما الفقراء الذين لا مال لهم، ولا رشاوى، فيتم ضبطهم بواسطة أساليب جديدة/ قديمة من القمع والتهم.
وتشجع رخاوة الدولة على الفساد، ويزيدها انتشاره رخاوة، وهو ينتشر من السلطتين التنفيذية والسياسية إلى التشريعية، حتى يصل إلى القضاء والجامعات. صحيح أن الفساد والرشوة موجودان، بدرجة أو أخرى، في جميع البلاد، لكنهما في ظل الدولة الرخوة يصبحان "نمط حياة".
أما الطبقة الحاكمة التي تتكون في هذه الدولة، فهي تجمع من أسباب القوة ما تستطيع بها فرض إرادتها على سائر فئات المجتمع، وهي، وإن كانت تصدر قوانين وتشريعاتٍ تبدو كأنها ديمقراطية في ظاهرها، فإن لهذه الطبقة من القوة ما يجعلها مطلقة التصرّف في تطبيق ما في صالحها، وتجاهل ما يضرّ بها. ولا يشعر أفراد هذه الطبقة بالولاء لوطنهم، بقدر ما يدينون بالولاء لعائلاتهم أو أقاربهم، أو عشائرهم ومحاسبيهم.
وبناء على التوصيف السابق، يمكن ملاحظة أن الأردن يمتلك ترسانة قانونية متقدّمة، لكنها من دون تطبيق. وعليه يكون وجودها مثل عدمه، إلا في حالةٍ محدّدة، حيث يمكن استعمالها لمعاقبة مناهضي الفساد أو المطالبين بحقوقهم أو المجرمين واللصوص من الطبقات المسحوقة.
ومع تفشّي الفقر والبطالة التي قاربت حدود 18%، حسب أحدث إحصاء رسمي صدر في سبتمبر/ أيلول الماضي، تواجه الفئات الاجتماعية الهشّة والضعيفة التي لن تستفيد من العدالة الاجتماعية والعدالة المجالية إقصاء متعمداً مترافقاً مع استشراء الفساد بمختلف أنواعه، وغلبة التسلط على الحوار، وتأزّم علاقة الدولة بالمجتمع، وضعف التنمية أو غيابها.
يواجه الأردن اليوم أزمات عامة مركّبة، اقتصادية اجتماعية سياسية، على الرغم من أن مؤسسات الدولة تحتفظ بالسلطة القانونية للحكم، مترافقة مع فقدان العمل المؤسسي القدرة والقابلية على التغيير والإنجاز، مع اتساع رقعة التشكيك وتهم الفساد، ما يؤدي إلى عدم قدرة مسؤولي الدولة على اتخاذ القرارات، والتمحيص فيما إذا كانت هذه القرارات ستؤدي إلى أخطاء، أو زيادة فقدان الثقة، وكذلك عدم إدراكهم الأهداف النهائية.
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
منصور المعلا

كاتب ومحلل سياسي اردني، بكالوريوس في العلوم السياسية

منصور المعلا