كرامة معلِّمي

كرامة معلِّمي

10 أكتوبر 2018

معلم فلسطيني وتلاميذه قرب بيت لحم (30/8/2015/ فرانس برس)

+ الخط -
محزنةٌ الصور التي نقلتها وسائل الإعلام للمعلمين خصوصاً، والموظفين عموماً، التابعين لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في أثناء اعتصاماتهم واحتجاجاتهم على فصل بعضهم، وتقليص حقوقهم، موظفين تابعين لها، وهي الهيئة الدولية الوحيدة التي تُعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين. وقد أنشئت خصيصا لهم تزامنا مع نكبة فلسطين، فلا لاجئ يُنكر أن خدمات "أونروا" قد ترافقت مع مراحل حياتنا، نحن اللاجئين، بدءًا من ولادة اللاجئ، وتسجيله في مركز صحة قريب من بيت عائلته، في المخيم، ومرورا بالخدمات التعليمية، حتى الصف التاسع، ثم المعونات العينية التي تتسلَّمها عائلتُه؛ لكي تقيم أوَدها فقط، وممثلةً بالطحين والأرز والسكر وما شابه، ويطلق عليها "مساعدة بدل غذاء"، لكنها اليوم أصبحت تقبض يدها المبسوطة، وفق مخططٍ لإنهاء قضية اللاجئين.
ففي وقتٍ يُحتفل باليوم العالمي للمعلم، فإن القلق والترقُّب يملآن قلوب المعلمين الفلسطينيين، في مناطق عمليات الوكالة الدولية لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم، سورية ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة، من منطلق لمسهم الخطوات المتسارعة لتقليصات "أونروا" التي طالت المعلمين وموظَّفي الطوارئ، والتي تندرج تحت مسمَّى المَساعي الخفيَّة التي تقوم بها الدول الكبرى، وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية للتخلُّص من الشاهد الأساسي الأول على قضية حقِّ العودة واللاجئين الفلسطينيين، وذلك بالتذرُّع الدائم بالعجز المالي، فيما يبلغ العجز السنوي في موازنة "أونروا" مائة مليون دولار سنويا، والدعم الأميركي لها يبلغ ما نسبته 70%، ما يعني أن الولايات المتحدة هي ذات اليد الطولى في وجود "أونروا"، واستمرارها، أو بتذرُّع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بحاجة المنظمة الأممية إلى إصلاحات، ولكن فعليا بدأت الأزمة الحقيقية لها بعد اتفاق أوسلو، والغرض الواضح من ذلك سياسيّ، إلغاء قضية اللاجئين بإلغاء خدمات "أونروا" لهم، وتحويل تلك الخدمات والأعباء إلى السلطة الفلسطينية، والدول العربية المضيفة..
ومع هذه الإجراءات القاسية بحقِّ الموظفين اللاجئين، ترتفع الأصوات المطالبة بعدم تعريب "أونروا"، بنقل دعمها إلى الدول العربية؛ لأن دعم الدول العربية، منذ بداية تأسيس الوكالة، لا يساوي شيئا، أمام دعم الدول الكبرى (7% من موازنتها)، ولذلك يجب أن تكون المطالبة بأن يأتي دعم "أونروا" من خلال اعتماد حصة مالية لها من الميزانية العامة للأمم المتحدة، وليس بانتظار عطف الدول المانحة، وتبرُّعاتها المتقطّعة والمسيّسة.
كان المعلم الفلسطينيُّ ولا يزال ذا مكانة عالية ومَهيبة، حيث نظرتُنا إلى المعلم الذي يعمل تحت راية الأمم المتحدة الزرقاء، وكأنه ناطق باسمها. وفي ذاكرتنا جميعا أسماءٌ مضيئة لمعلمين من معلِّمي "أونروا" لا نزال نتشدَّق بفضلهم ومكانتهم، وامتداد دورهم في حياتنا، من التعليم إلى التربية؛ ما يدعونا إلى أن نوقف دموعهم التي رأيناها، والتي لا يسّرُّنا أن يُهانوا، ويُهَدَّدوا، مع ما منحوه لنا، حتى خارج نطاق المدرسة. ومثالا، تبرّع زوجان فلسطينيان وصلا إلى سنِّ التقاعد، وحصلا على مكافأة نهاية الخدمة في مدارس "أونروا"، بكلِّ ما حصلا عليه من مال لصالح أبناء المخيم الذي يقطنان فيه، في وسط قطاع غزة. لم ينجبا أبناء، ولكن تربَّى على أيديهما آلاف الطلاب والطالبات، من أبناء المخيم الفقراء، والذين تخرَّجوا وتفرَّقوا في بقاع الأرض، ينشرون علمهم الذي تعلّموا مبادئه، بفضل الزوجين الجليليْن، وهذه الصورة المشرِّفة التي نحبُّ أن نرى مثلها، ولا نرى دموع المعلمين، وهم يبكون ضياع مستقبل عوائلهم، وترقُّبهم مستقبلا ينذر بالخطر، وهم الذين مهَّدوا طريق المستقبل لأجيال وأجيال، من أبناء وطنهم، فلا يمكن إنكار فضل المعلم بصورة عامة، وفضل معلمي "أونروا" بصفة خاصة؛ لأن انتقاء تعيينهم كان بعناية، ووفق شروطٍ لم تكن متوفرة بين الخرِّيجين في السنوات الأولى لإنشاء مدارس الوكالة الأممية، فحرص الآباء على إلحاق أولادهم بمدارسها.
أذكر أن جدِّي، رحمه الله، كان يتباهى بأن أولاده تعلموا في مدارس "أونروا"، وكانوا يحملون الحقائب المصنوعة من القماش، ويرتدون المراييل المقلَّمة للبنات، والقمصان الغامقة التي يصعب تحديد لونها، لقدمها. وعلى الرغم من ذلك، تفرَّق أولاده في بلاد الخليج، وكانوا من أوائل من نشروا التعليم فيه في ستينيات القرن الماضي.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.