المغرب وموريتانيا.. تاريخ حافل

المغرب وموريتانيا.. تاريخ حافل

10 أكتوبر 2018
+ الخط -
منذ تخليه عن سياسة الكرسي الفارغ إزاء المنظمات القارية الأفريقية التي اعتمدها منذ سنة 1984، على إثر اعتراف منظمة مؤتمر الوحدة الإفريقية بـ"الجمهورية الصحراوية" المعلنة من جانب واحد من "البوليساريو" سنة 1984، دشن المغرب جهودا دبلوماسية وسياسية مهمة في السنوات الأخيرة، بهدف تكريس وضعه الجديد في المنظمة القارية الإفريقية، تكللت باستعادته عضوية منظمة الاتحاد الأفريقي، وهم بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع دول إفريقية عديدة، بالإضافة إلى ضخ استثمارات والدخول في شراكات اقتصادية، خصوصا في مجالات صناعات الأسمدة، الاتصالات...
هذا الانفتاح على الدول الإفريقية، رافقته حالة من الشد والجذب في العلاقات مع موريتانيا، الجار الجنوبي للمغرب، والتي تعتبر بوابته الرئيسية إلى دول غرب إفريقيا، والتي يجمعه بها المعبر البري المفتوح الوحيد الذي يربطه ببقية دول القارة، في ظل حالة التوتر والتصعيد مع جارته الشرقية (الجزائر)، وما يرافقها من غلق للحدود البرية منذ قرابة ربع القرن من الزمن.
موريتانيا الدولة الغنية بمقوماتها الطبيعية وموقعها الجغرافي المتميز، بالإضافة إلى فرص الاستثمار الواعدة فيها، تعيش إشكالات تنموية حقيقية، من قبيل ارتفاع معدلات الهشاشة المجتمعية كالفقر والأمية والتفاوت الطبقي، ما قد يطرح إشكالية عدم التوازن الاقتصادي بالنسبة للمغرب الذي يعيش على وقع نفس المؤشرات ولكن بدرجات متفاوتة، كما يتطلع البلدان إلى تحقيق الانتقال الديمقراطي وتكريس التناوب السلمي على السلطة، في محيط إقليمي دولي يشهد تحديات أمنية خطيرة، على رأسها مواجهة الجماعة المسلحة وعصابات التهريب والتدخلات العسكرية الأجنبية...، ورغم التفاوت المسجل في الوضعين الاقتصاديين والتنمويين في كل من المغرب وموريتانيا إلا أنه تجمعها روابط تاريخية وثقافية متينة من شأن استغلالها وتوظيفها أن يسهم في تحقيق التقارب وتسريع الاندماج فيما بينهما، كما يمثل البلدان امتدادا إنسانيا واجتماعيا ومجالا حيويا لبعضهما البعض.
وشائج قربى وأواصر لا حصر لها تربط الشعبين الشقيقين، وتاريخ وإرث ثقافي مشترك حافل، يمتد منذ هجرات القبائل اليمنية ما قبل الميلاد، مرورا بالفتوحات الإسلامية وهجرات القبائل الصنهاجية في المجال الصحراوي، ثم دولة المرابطين التي وحدت بلدان المنطقة، وليس انتهاء عند إرث الجهاد والمقاومة ضد الاستعمار المشترك بين البلدين، عدا عن عناصر الهوية المشتركة والإرث الثقافي الكبير الذي يجمعهما، والذي على رأسه الثقافة الحسانية التي باتت تحظى بإقرار حفظها وصيانتها دستوريا في كلا البلدين، بالإضافة إلى أصول القبائل والأسر المشتركة والامتدادات المجتمعية في المناطق الحدودية.
مقومات ثقافية، تاريخية واجتماعية من شأن توظيفها سياسيا ودبلوماسيا أن يؤسس لعلاقة قوية بين البلدين، ستسهم لا محالة في تقوية اقتصادي البلدين وتحقيق النهضة التنموية فيهما عبر تحقيق التكامل والانفتاح الاقتصاديين وتحسين فرص الاستثمار، إيجاد مناصب الشغل، وتوفير الأسواق للسلع والبضائع المحلية في كلا البلدين...، مطامح ظلت منذ استقلالهما رهينة للحسابات السياسية الضيقة الخاصة بالأنظمة السياسية المتعاقبة، في ظل واقع العلاقات الثنائية المضطرب في ما بينهما، والتي تحكمها في الغالب الاعتبارات السياسية والأمنية بالدرجة الأولى.
على الرغم من الصدام الدبلوماسي بين البلدين الذي شهدته فترة الإعلان عن استقلال موريتانيا منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي على إثر المطالب المغربية الرسمية بتبعية موريتانيا للمغرب بموجب روابط تاريخية، وعلى الرغم من الإجراءات التي أقدم عليها المغرب، من قبيل دعم الوجهاء والزعامات السياسية الموريتانية الموالية له والمناوئة للنظام الموريتاني الفتي، وتأطير بعضها ضمن تنظيم "جيش التحرير" التابع له، إلا أنّ المغرب سرعان ما سيتخلى عن تلك المطالب باعترافه رسميا بموريتانيا سنة 1969، عشية قمة نواذيبو التي جمعت زعماء المغرب وموريتانيا والجزائر، سنة 1970، في موريتانيا، ما سيسهم في تطبيع العلاقات في ما بينهما، على الرغم من عدم الحسم في موضوع النزاع بشأن إقليم الصحراء الغربية، المستعمرة الاسبانية آنذاك، والتي شكل موضوع مصيرها أهم أجندات القمة الثلاثية، حيث ظل البلدان متمسكين بمطالبهما حولها.
B5405296-6005-49E4-88FB-C24FA35EF152
B5405296-6005-49E4-88FB-C24FA35EF152
محمد سالم بنعبد الفتاح (المغرب)
محمد سالم بنعبد الفتاح (المغرب)