"ملتقى فلسطين".. المثقف والحلم

"ملتقى فلسطين".. المثقف والحلم

07 أكتوبر 2018
+ الخط -
في ظلّ حملة غير مسبوقة تستهدف تصفية كل ما هو فلسطيني، وجوديا ونهائيا، تحت عنوان "صفقة القرن" التي تريد أن تفرض على الفلسطينيين توقيع صكّ استسلامهم، مُعلنين خروجهم من الجغرافيا والتاريخ، وفي ظل تخلّ عربيٍّ عن قضيةٍ طالما توهمنا أنها بالنسبة للنخب السياسية مركزية، سقط معه مفهوم الصراع العربي - الإسرائيلي، وفي ظل العجز السياسي الفلسطيني، الذاتي والموضوعي، عن المواجهة. في ظلّ هذا كله، كان على المثقف الفلسطيني امتلاك زمام المبادرة، لقيادة الرأي العام الفلسطيني، وترشيد الفكر السياسي الفلسطيني.
في عشرينيات الشهر الماضي أنهى أعضاء من "ملتقى فلسطين" (تشكّل في إبريل/ نيسان الماضي) ورشة عملهم التي جاءت استكمالا لحواراتٍ سابقة في حيفا والقدس ورام الله، وعبر صفحة الملتقى على "فيسبوك"، وانتهت إلى عدد من التوافقات السياسية، صدرت في بيان حمل عنوان "من ملتقى فلسطين إلى شعب فلسطين"، أكد على وحدة الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية، وبلدان اللجوء، والشتات، ووحدة قضيته ومصيره، والتمسّك بحقوقه الفردية، والجمعية، بحثا عن بلورة مشروع وطني جامع، في مواجهة محاولات تفكيك الهوية الوطنية وتصديعها. وقناعةً من أعضاء الملتقى أنه لا يمكن تحميل رؤى جديدة على حوامل مستهلكة، فإن مشروعا وطنيا يتطلب إعادة تعريفٍ للكيانات السياسية الفلسطينية، بعد تآكل (أو تقادم) معظمها، فبات خارج الصراع ضد إسرائيل، ولم يعد له من مكانةٍ في "مجتمعات" الفلسطينيين في الداخل والخارج. يتطلب هذا المشروع، أيضا، إعادة البناء لتلك الكيانات، استنادا إلى قواعد تمثيلية ديمقراطية انتخابية، بعيدا عن نظام المحاصصة (الكوتا).
وبما أن الملتقى هو منصّة للحوار الديمقراطي المعمّق والمفتوح حول القضية الفلسطينية، دعا 
البيان إلى إطلاق حوار وطني، لا يقتصر على الفصائل، بل يطاول كل الفعاليات الفلسطينية في الداخل والخارج، لتجاوز حال الاختلاف والاقتسام الذي لا يتم من دون تكريس الديمقراطية، وإشراك الشعب الفلسطيني في تحديد خياراته.
يؤكد البيان على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة بكل الأشكال، بما يتوافق مع المواثيق الدولية، مع مراعاة خصوصيات كل جزءٍ من الشعب الفلسطيني، ويعيد تعريف كفاح الشعب الفلسطيني، ليرتكز على محورين: الصراع ضد المشروع الصهيوني الاستعماري والعنصري من جهة، وبناء المجتمع الفلسطيني، بتنمية وعيه وموارده، وتعزيز مقومات صموده، وترسيخ كياناته المجتمعية والوطنية في الداخل والخارج، من جهة أخرى، مع التأكيد على التكامل بين المحورين، بحيث لا يُخِلّ العمل على الأول، بالعمل على الثاني، والعكس بالعكس.
يجد البيان مسائل ملحة نحو تكثيف الجهود على الصعيد الدولي، لفضح طابع دولة إسرائيل الاحتلالي الاستيطاني العنصري، الذي تبدّى بوضوح بعد إقرار الكنيست الإسرائيلي قانون الدولة القومية، ويدعو إلى وقف عملية التفاوض العبثية والمجحفة نهائيا، والتخلص من علاقات التنسيق الأمني مع إسرائيل، ومن التبعية الاقتصادية لها. وفي معرض المقاومة للسياسات الاستعمارية الاستيطانية والعنصرية، يميز البيان بين إسرائيل دولةً واليهود الإسرائيليين الذين ينبغي العمل في صفوفهم، وتوسيع مشتركات الكفاح معهم، وصولا إلى حلّ مشترك، على أساس الحقيقة، والعدالة، والحرية، والديمقراطية، والمواطنة المتكافئة. مؤكّدا أن كفاح الشعب الفلسطيني جزء من كفاح شعوب العالم، وقواه التحرّرية، والديمقراطية، العاملة من أجل سيادة قيم إنسانية قائمة على الحرية، والعدالة، والكرامة، والتكافؤ، والسلام، والاعتماد المتبادل بين الشعوب ضدّ الكراهية، والعنصرية، والاستلاب.
يتمسّك البيان بالحلم الفلسطيني، لكنه لا يصادر الخيارات المتاحة لصالح أحدها، أو وضع خيارٍ في مواجهة الآخر، كحلّ الدولة في الضفة والقطاع في مواجهة حلّ الدولة الواحدة، أو العكس، وعدم وضع حقّ جزء من الشعب الفلسطيني مقابل حقّ جزء آخر، مثل وضع حقّ عودة 
اللاجئين مقابل حقّ الدولة وبالعكس، مع إدراك البيان لواقع موازين القوى الحالي، والمعطيات العربية، والإقليمية، والدولية، المواتية لإسرائيل، سيما تصدّع البنى التحتية، المجتمعية، والدولتية، في المشرق العربي، واختفاء مفهوم الصراع العربي الإسرائيلي، وأنّ التمسّك بالرواية الفلسطينية التاريخية لا يحول دون رؤية الواقع الحالي، كما أن التمسّك بالطموحات المشروعة مستقبلا لا يحول دون السعي إلى استعادة ما أمكن من حقوقٍ فلسطينيةٍ مشروعة، فردية، وجمعية، ممكنة راهنا، والعكس صحيح.
يؤكّد الأعضاء في بيانهم، كما في مناسبات سابقة، أنهم اجتمعوا على مبادرةٍ للأفراد المشاركين فيها، ولمن يتفق معهم من الفلسطينيين، وهم لا يعتبرون أنفسهم فصيلا جديدا، ولا جسما سياسيا بديلا، ولا يدّعون وصايةً على أحد، بل هم جزءٌ من حراكٍ شعبي في أوساط الشعب الفلسطيني، في كل أماكن وجوده.
ليس "ملتقى فلسطين" كيانا سياسيا، بل هو نموذج اجتماعي ثقافي، يؤمن أن المثقفين كأفراد رأس مال معنوي كبير، وينبغي إخراجهم من وجودهم بالقوة إلى وجودهم بالفعل، قيادة للرأي العام الفلسطيني، وتمكينا للشعب من امتلاك زمام المبادرة. يحتاج الفلسطينيون، في ظل فراغ سياسي عربي وفلسطيني، إلى البدء بتكوين نماذجهم الاجتماعية في كل أماكن وجودهم، وتفعيل التواصل والحوار فيما بينها بكل السبل الممكنة، حفاظا على حراكهم الاجتماعي السياسي، في سبيل مواجهة التحدّيات الراهنة التي تهدّد حاضر حركتهم الوطنية ومستقبلها، والحيلولة دون التخلي عن الحلم الفلسطيني، حتى تبقى حقوقهم المشروعة تقاوم الطي والنسيان.
حسام أبو حامد
حسام أبو حامد
كاتب وصحافي فلسطيني. من فريق موقع العربي الجديد قسم السياسة.