تعقيباً على برهان غليون

تعقيباً على برهان غليون.. فلتبدأ أنت

07 أكتوبر 2018

برهان غليون.. أي مراجعات سورية مطلوبة (العربي الجديد)

+ الخط -
يثير الكاتب السوري، برهان غليون، في مقاله "في فضيلة الحكمة وضبط النفس" (العربي الجديد، 28/9/2018)، مسألةً في غاية الأهمية، تتمثل في ما يسميها "حملة تشهير وتخوين داخل صفوف المعارضة" السورية، يقوم بها الجيش الإلكتروني لنظام الأسد المجرم، بغية "تحويل الكارثة/ الجريمة التي ارتكبها بحق سورية وشعبها إلى نصرٍ مؤزّر وهزيمة للمعارضة"، من خلال تغذية ما يعتبره غليون "حملة تشهيرٍ وتخوينٍ متبادلة داخل صفوف المعارضة"، لكنه يعتبر أن أول من يتلقف هذه الحملة هم "تلك العناصر المحبطة التي بقيت تشعر بأنها لم تأخذ نصيبها من "عوائد" الثورة المادية أو المعنوية، أو لم يسمح لها بأن تلعب فيها الدور القيادي الذي كانت تطمح إليه".
مع تقديري مطالبة غليون بضرورة التحلي بالحكمة وضبط النفس عند القيام بمراجعات نقدية لمسار تشكيلات المعارضة وهيئاتها، السياسية والعسكرية، إلا أن مطالبته هذه لا تستوي مع اعتباره أن أول من يتلقّف الحملة ضد المعارضة هم تلك العناصر التي تشعر بأنها لم تأخذ نصيبها من "عوائد" الثورة المادية والمعنوية، أو لم يُسمح لها بأن تلعب دوراً قيادياً، فالمسألة إذن، بالنسبة إليه، شخصية، سواء من جهة العوائد التي يجنيها شخصٌ ما من الثورة، مادية أو معنوية، أو لعب دور قيادي كان يطمح إليه، مع العلم أن من حق أي شخص منخرط، أو يدافع عن الثورة وناسها، أو ينتمي إلى صفوفها، أن يلعب دوره، القيادي أو غير القيادي، شريطة ألا يغلّب طموحاته وأطماعه الشخصية على الدفاع عن الثورة وأهدافها وخدمة ناسها، لأن معارضين تصدّروا المشهد السياسي للمعارضة أعطوا الأولوية القصوى لطموحاتهم الشخصية، حتى أصابت أمراض الفردية وتضخم الذات وعدم القدرة على العمل المؤسسي معظم من تصدروا صفوف تشكيلات المعارضة السورية، بدءاً من المجلس الوطني، ومروراً بهيئة التنسيق، وصولاً إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والهيئة العليا للتفاوض، وانتهاء بهيئة الرياض 2.
وعلى الرغم من وجاهة ضرورة التنبّه الذي يلفت إليه غليون إلى ما يقوم به نظام الأسد 
المجرم من تسريبات ودسائس، ومحاولاته نقل "ميدان الصراع داخل صفوف قوى الثورة والمعارضة"، إلا أن في اعتباره أن هدف "ما تسرّبه أجهزة الحرب النفسية" هو "دفع المعارضة إلى تهشيم نفسها، حتى لا تستعيد أنفاسها"، تغافلا مقصودا لأسباب تهميش المعارضة، وعدم قدرتها على استعادة أنفاسها، إذ من الأجدى امتلاك الجرأة الكافية لتلمس أسباب تهميش المعارضة، الذاتية والموضوعية، وتبيان أسباب انقساماتها وتشرذمها، وعدم قدرة كياناتها السياسية على تشكيل مظلةٍ سياسيةٍ للثورة، خصوصا أن برهان غليون ترأس المجلس الوطني السوري، أول كيان سياسي معارض حظي بشرعية داخلية وخارجية. وهو أمر يتطلب منه القيام بالنقد والمراجعة التي طالب بها في أكثر من مناسبة، خصوصا أن المجلس الذي ترأسّه اعترت تركيبته وعمله أخطاء كثيرة، وقيل الكثير عن عجزه وضعف أدائه، وسيطرة المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين عليه. ولعل أهم الأخطاء أن قيادة المجلس، انخرطت بكامل أعضائها، في الائتلاف الوطني الذي كان الهدف من تشكيله إنهاء المجلس وتصفيته تماماً، وبالتالي من حقّ الحاضنة الشعبية للثورة، وحق السوريين وسواهم أيضاً، معرفة الأسباب التي دفعت تلك الشخصيات القيادية إلى الانصياع لإرادات إقليمية ودولية في تلك المرحلة.
ولعل من المبالغ به قول غليون إن نداءاتٍ بدأت تتعالى "لتشكيل محاكم التفتيش، والبحث في ضمير كل فرد، وفي سبب انتمائه للثورة، والإعداد لمحاسبة المقصّرين أو الفاسدين الذين ساهموا بالفعل، وهم كثر أيضاً، في تقويض جهود السوريين للتحرّر من نظام العبودية"، لأن القصد منه مصادرة أي مسعى إلى نقد التجربة ونقد مسار العمل العام، السياسي والعسكري، الذي أفضى إلى هزائم وانكساراتٍ وتراجعاتٍ على أكثر من صعيد.
والمحزن أن غليون يحاول النّيل من الأصوات النقدية المطالبة بالمحاسبة والمراجعة لأداء الشخصيات التي تصدّرت الفضاء السياسي العام للثورة، عندما يسمّيهم "ثوار وسائط التواصل الاجتماعي"، كي ينبّههم، بلغةٍ متعاليةٍ، إلى أن "الصراع في سورية والمنطقة العربية بأكملها لم ينته، ولا يزال مبكراً جداً الانتقال إلى مرحلة تصفية الحسابات الداخلية"، وكأن كل من يحاول نقد أداء تلك الشخصيات، وغليون من بينهم، يريد تصفية حساباتٍ معها، مع أن القضية عامة، وليست شخصية حسبما يحاول تصويرها، ولا يكتفي بذلك بل يذهب بعيداً، حين يساوي، ظلماً وإجحافاً، بين من يحاول البحث في أسباب الانكسارات والتراجعات وما يريده "الروس والنظام"، المتمثل في تدمير "كل ما أنتجه الكفاح المشترك للثائرين من رصيد معنوي وتفاهم وثقة بالنفس، ويقضوا على أي احتمالٍ لتشكيل معارضة ديمقراطية قوية في المستقبل".
وهنا تبرز التساؤلات: هل بالفعل، إن من يطالب بنقد مسار العمل الوطني المعارض ومراجعته، بشقّيه السياسي والعسكري، يريد تدمير "الكفاح المشترك للثائرين"، والقضاء "على أي احتمال لتشكيل معارضة ديمقراطية"، أم العكس تماماً؟ وهل التذرع بأن النظام والروس يسعون إلى "تشويه صورة الثورة والمعارضة" هو ما يعيق إنتاج البديل الديمقراطي، أم أن من يعيقه هو كل من يلجأ إلى وضع من يسعى إلى مراجعة مرحلة كاملة من العمل السياسي المعارض ونقدها في صف النظام والروس؟
مؤسف أن تفكير بعض الشخصيات السياسية المعارضة لم يبلغ بعد مرحلة "تجاوز فيها اعتبار النقد مجرد عملية تجريح، أو تعداد لعيوب ومثالب ونقائص لا تنتهي"، حسبما قال المفكر 
والفيلسوف الراحل صادق جلال العظم، إذ لم تلتفت كل شخصيات المعارضة وكياناتها السياسية إلى أي نقد حيال مسار عملها طوال السنوات السبع الماضية، ولم تقم بأي مراجعة له، كما لم يصل مستوى تفكيرها إلى درجةٍ تنظر فيها إلى النقد بصفته تحليلاً دقيقاً وعميقاً لما قامت به، بغية تحديد مواطن الضعف وأسباب العجز والتأثيرات التي أفضت إلى نشوء عيوب ونقائص.
والمفارقة أن غليون نفسه يطالب بمراجعة "عميقة ومؤلمة لتجربتنا السابقة"، من أجل إنجاح "إعادة بناء معارضة ديمقراطية قوية ومتماسكة ومتضامنة"، والأدهى من ذلك أنه يعطي هذا الأمر أولوية، بوصفه "المدخل لأي إعادة إعمار سياسي ومعنوي مطلوب، وسابق على أي إعمار مادي". حسناً نحن معك، فلتبدأ أنت يا دكتور برهان بتطبيق ما تقوله على تجربتك في المجلس الوطني، وفي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، خصوصا أنك كنت من الشخصيات الفاعلة فيهما.
5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".