عن مقابلة السنوار

عن مقابلة السنوار

06 أكتوبر 2018
+ الخط -
قبل ثلاثة أشهر، وتحديدا في الرابع من يوليو/ تموز الماضي، تشرفت بإدارة ورشة عمل عقدها معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع مكتب السلام للإعلام في غزة عن آليات التأثير على الرأي العام الإسرائيلي، وقد حضر تلك الورشة عدد من النخب السياسية والإعلامية الفلسطينية المختصة في الشأن الإسرائيلي، وكان من أبرز التوصيات التي خلصت إليها الورشة ضرورة وضع استراتيجية فلسطينية موحدة لمخاطبة الجمهور الإسرائيلي، بما يخدم القضية الفلسطينية.
واليوم يثار جدل كبير بشأن لقاء صحفي تم عقده حصريا لصالح صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية مع قائد حركة حماس في غزة، يحيى السنوار. ومثار الجدل الذي عمّ مواقع التواصل الاجتماعي أن الحركة وفصائل المقاومة الفلسطينية عموما ترفض التطبيع الإعلامي مع الاحتلال، فالتطبيع الإعلامي لا يجد له قبولا في الشارع الفلسطيني الداعم نهج المقاومة، خصوصا وأنّ الاحتلال يستثمر اللقاءات الإعلامية في خدمة أجندته الاستيطانية، إضافة إلى أنّ جميع الأخبار التي تنشرها وسائل إعلام الاحتلال تمر عبر الرقيب العسكري الذي يحذف ما يشاء وينشر ما يخدم أهداف الاحتلال.
نفى مكتب السنوار في غزة نفى صحة ما تم نشره، مُعلّلاً أنّ الصحفية الإيطالية، فرانشيسكا بوري، تقدمت قبل أسبوعين بطلب لعقد لقاء صحفي مع السنوار لصالح صحيفتي لاروبابليكا الإيطالية والغارديان البريطانية، وأنّها أرسلت أسئلة مكتوبة تمّ الإجابة عليها، وأنّ الصورة المنشورة مع الصحفية التقطت لتوثيق اللقاء ليس أكثر، نافيا صحة أن يكون السنوار قد أجرى لقاء خاصا بصحيفة عبرية.
وعلى الرغم من نفي "حماس" صحة اللقاء الصحفي، إلا أنّ التساؤلات المنشورة تؤكد علم السنوار بأنّ المقابلة لصحيفة عبرية، وفي حال تأكد ذلك، فإنه يعتبر انعطافة مهمة في سياسة الحركة الإعلامية تجاه الرأي العام الإسرائيلي، خصوصا أنّ مضمون إجابات السنوار تؤكد عدم سعي "حماس" إلى حرب جديدة مع الاحتلال، وأنّ هدفها تحقيق حياة كريمة لأهل غزة من خلال رفع الحصار الذي يفرضه الاحتلال منذ اثنتي عشر سنة على غزة، وهي رسالة يعتبر وصولها إلى الرأي العام الإسرائيلي مهماً في ظل حكومة إسرائيلية يمينية متطرّفة، لا تعتبر الفلسطيني إنسانا يستحق الحياة فوق أرضه.
الرفض الفلسطيني للتطبيع الإعلامي مع الاحتلال ناتج عن المعاناة الذي يعيشها الفلسطينيون منذ نكبة 1948، وهم يشاهدون قوة الاحتلال ونفوذه لدى الأنظمة العربية يزداد يوما بعد يوم على حساب عدالة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. وفي المقابل، هل إغلاق الأبواب الفلسطينية أمام الرأي العام الإسرائيلي يخدم القضية الفلسطينية؟ وهل في وسع الصوت الفلسطيني الوصول إلى الجمهور الإسرائيلي بعيدا عن وسائل إعلام الاحتلال؟ وهل تَواصُل النخب العربية والفلسطينية مع وسائل إعلام الاحتلال يقدّم خدمة مجانية لدولة الاحتلال؟
لا أطرح تلك التساؤلات بدافع التهكم من القناعات والأفكار التي أحملها، فلست من مؤيدي التطبيع الإعلامي مع الاحتلال، ولكن أتساءل كيف يمكننا، نحن النخب الإعلامية والسياسية، إيصال الصوت الفلسطيني المقاوم والتأثير على الجمهور الإسرائيلي من دون مخاطبته من خلال وسائل إعلامه التي يتابعها ليلا ونهارا؟
يقول الواقع الفلسطيني إنّ التيار الفلسطيني الداعم للتنسيق الأمني والمفاوضات مع الاحتلال هو الذي يخاطب الجمهور الإسرائيلي. وللأسف، يتسم خطابه بالتذلل والخنوع، على أمل أن يمنحه الاحتلال دويلة أو حكما ذاتيا يفاخر به أمام الشعب الفلسطيني، بينما الصوت المقاوم الذي قدّم التضحيات ولا زال دفاعا عن عدالة قضيته، ويحظى بتأييد غالبية أبناء الشعب الفلسطيني، يُحجِم طوعا وبإرادته عن مخاطبة الجمهور الإسرائيلي، ويقاطع وسائل إعلام الاحتلال خوفا من استثمار الاحتلال ذلك التواصل وتسويقه على أنه تطبيع إعلامي فلسطيني سيُسهم في تعزيز تواصل دولة الاحتلال مع الشعوب العربية والإسلامية.
ختاما، وبعد سبعين سنة قضاها شعبنا في معاناة متواصلة، آمل إعادة النظر في أدواتنا وأساليبنا الاعلامية المعتمدة، فنحن اليوم بحاجة إلى التفكير مليا في كيفية التأثير على الرأي العام الإسرائيلي والغربي، بما يعزّز من عدالة قضيتنا وإنسانيتنا، من دون إفساح المجال الإعلامي لمتصهين عربي أو فلسطيني يستأثر بمخاطبة الرأي العام الإسرائيلي والغربي على حساب الصوت الفلسطيني المقاوم للاحتلال.
04D12ACA-2811-4B0A-BD88-6D7B4D4CEA74
04D12ACA-2811-4B0A-BD88-6D7B4D4CEA74
ماجد نمر الزبدة (فلسطين)
ماجد نمر الزبدة (فلسطين)