مسار جديد في إسطنبول؟

مسار جديد في إسطنبول؟

31 أكتوبر 2018
+ الخط -
باستثناء بيان مشترك عام، أكّد حتمية الحل السياسي للأزمة السورية، فشلت قمة إسطنبول الرباعية في تحقيق أيّ من أهدافها. وخلا التزامٌ "مضطربٌ" قدّمته روسيا باحترام اتفاق المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، والتي وصفها الرئيس بوتين بأنها "مؤقتة"، لم تحصل أيٌّ من الأطراف المشاركة على مبتغاها من القمة، فتركيا كانت تأمل في اتفاقٍ على خريطة طريقٍ واضحةٍ لحل الأزمة، تمهيدا لعودة اللاجئين السوريين. وكانت روسيا تأمل بدعم أوروبي لخطتها الرامية إلى إعادة الإعمار وعودة اللاجئين بغض النظر عن نتائج العملية السياسية. أما ألمانيا فقد فشلت في الحصول على تعهد روسي قاطع بعدم الهجوم على إدلب مستقبلا، خوفا من إطلاق موجة لجوءٍ جديدةٍ إليها، فيما فشل الجميع في إقناع الأتراك بالموافقة على ضم الأكراد لمسار الحل في سورية.
مع ذلك، وعلى الرغم من تواضع نتائج القمة، بدا الجميع مهتمين باستمرار المسار الذي بدأ في قمة إسطنبول، وضم للمرة الأولى دولاً من مجموعة أستانة التي تشمل أيضا إيران، ومن مجموعة العمل المصغرة التي تشمل أيضا الولايات المتحدة وبريطانيا والأردن والسعودية ومصر. ترى تركيا، صاحبة الدعوة، أن المسار الجديد يمكن أن يسهم في التوصل إلى أرضية مشتركة للحل، عوضا عن استمرار التنافس والصراع بين المجموعتين، وهي، أي تركيا، الوحيدة المؤهلة، وصاحبة المصلحة الأكبر في أداء هذا الدور، باعتبارها أكبر مستقبلة للاجئين السوريين، وصاحبة أطول حدود مع سورية، وكونها عضوا في مجموعة أستانة، لكنها أقرب في رؤيتها إلى الحل إلى مجموعة العمل المصغرة التي تدعو إلى العودة إلى مسار جنيف. لبقية أطراف القمة أيضا مصلحة في نشوء مسار جديد في إسطنبول، فالرئيس بوتين يدرك أن مسار أستانة استنفد أغراضه تقريبا، فبعد انتهاء المعارك الكبرى في سورية، سوف يتركّز الصراع على تحديد شكل الحل السياسي ومرتكزاته، وفي هذا يبدو الدور الأميركي والأوروبي أكثر أهمية، سواء في قضايا الإعمار واللاجئين أو بشأن التسوية السياسية، ما يتطلب مقاربة روسية مختلفة في التعامل مع المسرح السوري وأطراف الصراع فيه.
يحصل هذا في وقتٍ يتزايد فيه التوتر الروسي، نتيجة تبنّي واشنطن استراتيجيةً أكثر تشدّدا في سورية، قوامها عدم السماح للروس والإيرانيين بتقرير نتيجة الحل السياسي، بعد أن حسموا الصراع عسكريا. وقد وضعت واشنطن ثلاثة أهداف رئيسة، لتبرير احتفاظها بوجود عسكري وسيطرة في مناطق شرق الفرات، هي إلى جانب منع انبعاث "داعش"، احتواء إيران، ومقايضة وجودها العسكري في سورية بحلٍّ سياسيٍّ يأخذ مصالحها بالاعتبار. وكان ملفتًا أن تركيا حصلت، للمرة الأولى منذ بداية الأزمة، على دعم أميركي واضح، للدفع بقواتها إلى إدلب، وهي تريد منها الاحتفاظ بوجود عسكري كبير فيها. وقد لعبت واشنطن دورًا، ربما كان الأهم، في منع هجوم روسي على منطقة خفض التصعيد في إدلب، مهدّدة بالتدخل عسكريًا.
من هنا، يوفر مسار إسطنبول لروسيا إمكانية انتزاع موقف أوروبي أكثر تفهمًا لسياساتها، في مقابل حصول الأوروبيين على منصةٍ للعب دورٍ أكبر في سورية، في ضوء زيادة اهتمامهم بها، وتلاشي أوهامهم بإمكانية إبقاء شرر الحرب فيها بعيدةً عنهم، سواء في ما يخصّ تدفق لاجئينا إليهم، أو تدفّق جهادييهم إلينا. روسيا التي تحتاج دعما أوروبيا وتركيا لتمرير رؤيتها للحل السياسي تحتاج أيضا تمويلا أوروبيا لإعادة الإعمار، وبدونه تكون روسيا ربحت الحرب، لكنها خسرت في السياسة.
ويبدي الألمان اهتماما بمسار إسطنبول، إذ باتوا من خلاله طرفا في اتفاق المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، بما يفيد في منع موجة لجوءٍ جديدة، تعزّز مواقع اليمين الصاعد الذي بات يهدّد مستقبل الاتحاد الأوروبي، مشروع ألمانيا السياسي والاقتصادي الأكبر. أما فرنسا التي عزّزت وجودها العسكري أخيرا في مناطق شرق الفرات لدعم "قوات سورية الديموقراطية" في مواجهة "داعش"، فقد وجدت أخيرا ضالّتها في منصةٍ تسمح لها بهامشٍ مهما كان محدودا لحماية مصالحها، ودورها التاريخي المتضائل في الشرق، لكن أي نتائج محتملة للمسار الجديد تبقى مرهونةً بموقف واشنطن التي يبدو أنها حسمت أمرها لجهة التمسّك بحصتها من "الغنيمة" السورية.
AA8F4D7D-04C2-4B96-A100-C49FC89BAEBA
مروان قبلان

كاتب وباحث سوري