من أجل السعودية

من أجل السعودية

30 أكتوبر 2018

علم السعودية على قنصليتها في اسطنبول (26/10/2018/الأناضول)

+ الخط -
يجتهد أصحاب نظرية المؤامرة الكونية بالحديث عن وجود مثل هذه المؤامرة ضد السعودية، مع تصاعد الهجمة الإعلامية الدولية على الرياض، في أعقاب قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، فهؤلاء، وبينهم كتاب وصحافيون ومثقفون من خارج السعودية، يعتبرون أن كل كلمة توجه إلى السعودية، بسبب الجريمة الشنعاء، إنما هي جزء من مؤامرة كونية تستهدف النيْل من أرض الحرمين، وعرقلة مساعي ولي العهد، محمد بن سلمان، للإصلاح ومواجهة إيران.
وليس الحديث هنا عن الجريمة الشنيعة التي استفزّت العالم داخل قنصليةٍ يفترض أنها تمارس أعلى معايير الدبلوماسية، وليس شرح ما جرى في ذلك المكان الذي بات مرادفا لعنف السلطة في عالمنا العربي، وإنما المراد هو الحديث عن أهمية السعودية، الدولة، حاضنة الحرمين، وقطب التوازن في المنطقة، وأهمية الحفاظ عليها، بعيدا عن المغامرات التي فتحت أعين العالم عليها.
لا يجب مطلقاً الدمج بين السعودية الدولة وولي العهد محمد بن سلمان، فقد أثبت الرجل أنه ليس على قدر المسؤولية، وغير مؤهل لقيادة دولة محورية في الشرق الأوسط. والإشارة هنا إلى عاميْن حافلين بالمغامرات، في أثناء وجوده في مناصب عليا، جديدها ولاية العهد قبل نحو عام، وبالأحرى توليه قيادة المملكة، في ظل حالة والده الملك سلمان الصحية التي قد لا تسعفه لإدارة البلاد.

وربما تكون حرب اليمن مثالاً صارخاً على طبيعة القرارات غير المدروسة، فبعد توليه وزارة الدفاع، قرّر بن سلمان شن هذه الحرب بغية إعادة الشرعية، وتحجيم قوة الحوثي المدعومة من إيران. وبعد قرابة ثلاثة أعوام ونصف العام، لم يتغيّر شيء، بل باتت صواريخ الحوثي تصل إلى مدن سعودية لم تكن تصل إليها، وباتت قوة الحوثي البحرية تهدّد الملاحة في البحر الأحمر، ناهيك بما خلّفته تلك الحرب من أزمةٍ إنسانيةٍ تعد الأسوأ وفقا لتقارير الأمم المتحدة، فهناك اليوم قرابة ثمانية ملايين يمني يعيشون في ما يشبه المجاعة، بينما يعيش أكثر من ثلثي البلاد على المساعدات الإغاثية من الخارج. ويمكن القول إن هذه الحرب لم تبقِ ما يمكن أن يُطلق عليها دولة اليمن، فقد فكّكت أجزاءه، وتركته نهباً لأجنداتٍ شتّى.
ثم كان قرار حصار قطر من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ويستحق أن يوصف بأنه من أغبى قرارات الدبلوماسية السعودية، فقد أثبتت الأيام أنه كان أفضل خدمة قدمتها الدول الأربع لقطر، لأنها جنّبت الدوحة مغامرات هواة السياسة، والتي كان يمكن أن يورّطوا معهم قطر التي كان لها خط سيادي وسياسي، يسير وفق استراتيجية مصالح ومبادئ واضحة، وكثيراً ما اصطدم بقرارات كتلة مجلس التعاون التي كانت تفقد البوصلة أحيانا.
ولعل اعتقالات فندق ريتز كارلتون التي شملت أمراء وأثرياء ورجال أعمال ووزراء، كانت بمثابة رسالةٍ إلى من يهمّه الأمر، أن السعودية تغيرت، فسعودية محمد بن سلمان تفصّل القوانين والقرارات على مقاسات المصلحة الخاصة قبل كل شيء، حتى باتت عملية هروب الأموال الأجنبية، وحتى المحلية، من البلاد، الأكبر منذ نحو 14 عاماً، وفقاً لصحيفة فايننشال تايمز.
وإذا كانت السعودية تسعى إلى محاربة إيران، وتقليص نفوذها في المنطقة، وهو العنوان الأبرز لحملات المدافعين عنها، فإن ما يجب ذكره هنا أن السعودية لعبت دورا سلبيا في تعزيز حضور إيران في المنطقة. والإشارة هنا إلى دور الإعلام المموّل سعودياً في ترويج عراق ما بعد 2003، والتطبيل لعملية الغزو الأميركي، وما أعقبها من عمليةٍ سياسيةٍ فصَّلها الاحتلال على مقاسات أحزابٍ ساهمت إيران في إنشائها، بل الأكثر من ذلك أن السعودية، كدولة، كفّت قدمها من التقدّم خطوة واحدة بين العراقيين والعراق المحتل، وبقيت تراقب النفوذ الإيراني، وهو يكبر ويتمدّد. وحتى عندما قرّر محمد بن سلمان التدخل في العراق، دخل من البوابة الخطأ، عندما قدّم دعما كبيرا لمقتدى الصدر، في الانتخابات النيابية أخيرا، ثم لم يجن إلا مزيداً من الحنظل.

يريد الكل مواجهة تغلغل إيران في المنطقة العربية. ولكن كيف؟ هل يعقل أن يلجأ بن سلمان لمواجهة إيران بفرض حصار على قطر؟ هل يعقل أن يواجه إيران بمحاربة "الإخوان المسلمين"؟ هل يعقل أن يواجه إيران بزجّ الدعاة ونشطاء حقوق الإنسان في السجون؟ هل تكون مواجهة إيران بالتسبب بأسوأ أزمة إنسانية في اليمن، فتحت أعين العالم على السعودية وما يجري فيها؟ هل يعقل أن نواجه إيران بقتل صحافي يكتب في صحيفة واشنطن بوست داخل مبنى دبلوماسي في واحدةٍ من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ثم نصيح أن العالم يحارب السعودية وخطواتها لمواجهة إيران؟
من أجل السعودية قبل جمال خاشقجي، يجب كشف القتلة؛ ويجب وقف حرب اليمن فورا، والدعوة إلى حوار سياسي برعايةٍ أممية، وتجب إعادة تفعيل مجلس التعاون الخليجي، وذلك لن يكون إلا برفع الحصار عن قطر، والاعتذار لها، وأيضاً؛ محاولة احتواء تيارات الإسلام السياسي، بدلا من محاربتها وفتح جبهاتٍ لمعارك وهمية معها. لا بد؛ بعد هذا وذاك، من رفع سقف الحرية، لا قوة من غير حرية، ولا قدرة وتنمية من غير حرية، يجب النظر إلى حرية التعبير والصحافة سندا وعضيدا، وليس عدوا متربصا.
بغير ذلك، لن تكون هناك قدرة على مواجهة إيران، وإذا كنّا نتحدث اليوم عن وجودها في أربع عواصم عربية، فليس مستبعدا، والحال كذلك، أن تُضاف إليها عاصمة خامسة قريبا.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...