سيلفيا بلاث، العائدة أبداً

سيلفيا بلاث، العائدة أبداً

30 أكتوبر 2018

سيلفيا بلاث.. انتحار في فرن الغاز (Getty)

+ الخط -
في السابع والعشرين من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، كانت الشاعرة والأديبة الأميركية، سيلفيا بلاث، ستبلغ الخامسة والثمانين، لولا أنها لم تُقدم على الانتحار وهي في الثلاثين من عمرها، بوضع رأسها في فرن الغاز (11 فبراير/ شباط 1963)، بعد إعدادها وجبة بعد الظهيرة لولديها الصغيريْن الغافيين في أثناء القيلولة، في الطابق العلوي، صحني بسكوت وكوبي حليب.
في دفتر يومياتها الذي استمرت تغذّيه بكتاباتها حتى مماتها، كتبت في يوليو/ تموز 1950: "لن أكون سعيدة أبدًا ربما، لكني الليلة راضية، لا شيء سوى منزل فارغ، إرهاق غامض دافئ من يومٍ قضيته في زرع براعم الفراولة في الشمس، قدح من لبن حلو بارد، وصحن من حبوب العنب المغمورة بالقشطة. أدرك الآن كيف يعيش الناس من دون كتب، من دون مدرسة. حين يكون المرء تعبًا في نهاية اليوم عليه بالنوم، فيواصل العيش، قريبا من الأرض. في أوقاتٍ كهذه، أكون حمقاء لو طلبت المزيد".
كانت الشاعرة الشابّة والجميلة تعاني من الكآبة والانهيار العصبي، هي التي أدخلت المصحّات العقلية أكثر من مرة، وعولجت بالصدمات الكهربائية. فقدت أباها ذا الأصول الألمانية وهي في الثامنة من عمرها، ولامت أمها على هذا الفقد واستعْدَتها، ويقيت تبحث عن هذا الأب الضائع طيلة حياتها القصيرة. ثم التقت وهي بعد طالبة، بالشاعر الإنكليزي تيد هيوز، فوقعا في الغرام وتزوّجا، لكن عمر زواجهما القصير انتهى بعد ست سنوات، بانفصالهما، ثم بانتحارها، وبتحوّلها أيقونةً، فيما أصبح هو الرجل الملعون، المكروه، التي تتوجّه نحوه أصابعُ الاتهام، خصوصا وأن امرأته الثانية، آسيا فيفل، انتحرت بالطريقة نفسها سنة 1969، بالغاز، منهيةً أيضا حياة ابنتهما، شورا، ذات الأربع سنوات.
في رواية بعنوان "أنت قلت"، صدرت أخيرا للكاتبة الهولندية كونى بالمن (ترجمة لمياء المقدّم، سلسلة الجوائز بالهيئة المصرية العامة للكتاب)، تحكي الروائية قصة هذين الحبيبين الشهيرين، منذ التقيا طالبيْن، إنما هذي المرة من وجهة نظر هيوز (توفي عام 1998) الذي بقي صامتا خلال 36 عاما، كتوما على جُرحه الذي تسبّب به إقدامُ امرأته على الانتحار، وبهذا، يكون قد أعطي فرصة أخيرة للدفاع عن نفسه.
"ما الذي كنت أنتظره من امرأة عضّتنى فى أول لقاء لنا، بدل أن تقبّلني". وهو بذلك يشير إلى أن سيلفيا كانت امرأةً قويةً، عنيفة، إذ يضيف: "من عرفها ظاهريا لم يكن ليتكهّن أبدأ بأنها تخفي داخلها مقاتلة شرسة، وأنها أكثر بكثير من فتاةٍ أنيقةٍ ترفع شعرها ذيل حصان، أو من تلك الصبية التي توحي بها لأول مرة. كانت أكثر تعقيدا من ذلك".
وبحسب الرواية، يُبدي تيد هيوز شكوكا بشأن موهبة سيلفيا، خصوصا في بداياتها، حيث يقول إنها لم تكن ذات خيالٍ خصب، تستوحي كتابات آخرين وتجيد تمويه ذلك، وإنها، على عكسه هو، لم تكن ذات أذنٍ حسّاسة حيال الإيقاع أو الموسيقى. كل هذا من دون أن يُنكر وقوفها إلى جانبه، ومراسلتها الصحف والمجلات من أجله. "خلال سنوات زواجنا الستّ، فقدت نفسي بالكامل في ما يشبه التضحية، من أجل مساعدتها على ولادة الشاعرة الأصيلة داخلها، وإيجاد صوتها الحقيقي المتفرد".
وقفت الروائية كوني بالمن إلى جانب تيد هيوز بالكامل، فهي لم تمنحه المجال للدفاع عن نفسه فحسب، بل أفسحت له كي يشرح لنا آراءه في الكتابة والفن والإنسان، مقارنا بينه وبينها سيلفيا بلاث، معترفا: "لاحظت أن نوبات الهلع والكآبة، وفترات الصمت والبكاء، مهما كان جرحُها النازف جدّيا، كانت موجّهة إليّ في الحقيقة، لإثارة اهتمامي ولابتزازي عاطفيا.. فكان أن زاد لعبُها دور الضحية من تبلّدي، حائلا دون أن أقبض جدّيا تهديدَها بالانتحار.. لقد لحظ الجميع أني أبالغ في حماية زوجتي والاعتناء بها، وأنها متملّكة، كثيرة المطالب وغيورة". ومع ذلك، لم يُنكر تيد هيوز أبدا حبّه سيلفيا بلاث، على الرغم من إدراكه أنها كانت تمتلك عوامل تدميرها الذاتي في داخلها، بسبب اضطراباتها النفسية وغيرتها الشديدة وعدم شعورها بالأمان وسعيها وراء الشهرة.
الأرجح أن الشاعرة سيلفيا بلاث لم تنتحر بسبب خيانة تيد هيوز لها. ربما تكون قد فعلت هربا من عذاباتها الداخلية، أو لكي تؤكّد أنها الوحيدة التي تقرّر مصيرها، وتمتلك حياتها، وحقّ إنهائها.
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"