ما كتبَه خاشقجي لتوكل كرمان

ما كتبَه خاشقجي لتوكل كرمان

29 أكتوبر 2018
+ الخط -
لعلَّ الجميع يعلم أن الصحفي الراحل، جمال خاشقجي، رحمه الله، كان من أكثر مُؤيدي عملية عاصفة الحزم في اليمن، في بداية انطلاقتها قبل نحو أربع سنوات، مِثْل غالبية اليمنيين الذين أيدوا تلك العاصفة في بداية الأمر، ظنّاً منهم بأنها جاءت فِعلاً لحمايتهم من بطش الانقلابيين الذين أسقطوا الدولة، واستولوا على مؤسساتها بقوة السلاح. لكن الجميع أدرك بعد ذلك أن العربية السعودية لم تكن تملك أي رؤية حيال تلك الحرب، وأنها لا تعدُو عن كونها واحدة من الحماقات الكثيرة التي ارتكبها الأمير الطائش والمغرور، ودفَع اليمنيون ثمنها غالياً ولا يزالون.
كان جمال خاشقجي قد كتَب، قبل وفاته بأيام، رسالة إلى الناشطة الحُقوقية اليمنية، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، والتي أعادت نشرها على حسابها في تويتر في 16 أكتوبر/ تشرين أول الجاري، جاء فيها: "اختي الفاضلة.. السلام عليكم، إلحاقا بحديثنا البارحة، أرجو أن تحتملي صراحتي، اليمن مليء بسياسيين، وعندما تُصبِحين سياسيةً غاضبةً فأنتِ تَنْضمِّين لطابور طويل، ولكن قُوتك وتميُّزك هو أنك الوحيدة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، لذلك اقترحتُ عليكِ البارحة أن تقودي حملة "أوقفوا الحرب، أوقفوا الانقلاب، أوقفوا الموت والجوع". سوف تجدين أنصاراً حول العالم وداخل اليمن، ولكنَّ هذا يحتاج تقديم توكل كرمان المُحبة للسلام، البعيدة عن السياسة وتفاصيلها، رغم أن دعوتَك هذه هي أم وأب السياسة. مُستعد أن أخدمك بهذه الدعوة، مَحبة لوطني ولليمن وكليهما وطن لي".
يبدو جلياً من الرسالة أن طُول أمد الحرب في اليمن، وانحرافها عن مسارها وأهدافها المُعلنة، وخصوصا بعد سيطرة محمد بن سلمان على مقاليد الحكم في المملكة، كانت موْضُوعاً يشغَل بال جَمال طوال الوقت، وهو ما كان قد تطرق إليه في مقالات له في صحيفة واشنطن بوست، خلال الشهور التي سبقت اغتياله، كما أنه كان يبدُو مُتضايقاً من مسألة اندفاع الأمير، المُحْدَث في عالم السياسة ودهاليزها، إلى عقد علاقات وصداقات مشبوهة، مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وصهره جاريد كُوشنر، تغلبُ عليها المصالح الشخصية، ثم المبالغة بعقد صفقات أسلحة مع الأميركيين، أساءت كثيراً لسُمعة المملكة، خُصُوصاً عندما كان الراحل يراها تتجه صوب أشقائه في اليمن، فدمَّرت بلدهم وقتلت نساءهم وأطفالهم، فيما يُشبه استعراض العضلات أمام العالم ليس أكثر.
أخذت توكل كرمان، بالتأكيد، هذه الرسالة وصية مهمة، من الراحل جمال خاشقجي، تجاه إخوته وأشقائه في اليمن، ويستوجب عليها البدء بتنفيذها. وباعتقادي، هذا هو الوقت المُناسب لفعل ذلك، خُصوصاً وأنّ الجانب الرسمي اليمني، ممثلاً بالرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة وقادة الأحزاب، كُلهم في حالة شلل تام، وعاجزون عن القيام بأي فعل، بعد أن وضَعهم محمد بن سلمان داخل سجن كبير، فأصبحوا بلا حول ولا قوة، الأمر الذي يُحتم على كل الإعلاميين والنشطاء السياسيين اليمنيين، وكل من يتمتعون بالاستقلالية والقدرة على التأثير، بأن يلتقطوا هذه اللحظة المهمة، للعمل بكل ما من شأنه الضغط على الجانب السعودي، لإنهاء حصاره الجائر على اليمن منذُ أربع سنوات وإنهاء الحرب التي لم يجنِ منها اليمنيون سوى مزيد من الخراب والدمار لبلدهم.
تشكيل وفد يمني برئاسة توكل كرمان، يضم إعلاميين ونشطاء وحُقوقيين يمنيين، والتوجه إلى تركيا لمخاطبة المسؤولين الأتراك، والتقدم إليهم بطلب وضع ملف الحرب في اليمن، جنباً إلى جنب مع ملف فك الحصار عن قطر، في أي حوارات أو صفقات مقبلة، من شأنها الضغط على الجانبين، السعودي والأميركي، بخصوص قضية جمال خاشقجي، سيكون له بالغ الأثر في تغيير مسار الأحداث الدائرة في اليمن، ولربما فك الحصار عنها وإنهاء الحرب في القريب العاجل، خُصوصاً إذا ما أدت تلك الضغوط التركية والأميركية إلى إحداث تغيير جوهري داخل بُنية النظام الملكي السعودي، وفي مقدمة ذلك عزل الأمير الطائش الذي بسببه ضاعت هيبة المملكة، وفقدت احترام شعوب المنطقة والعالم أجمع.
8A4CCA6F-5F3E-4C7B-BF41-CB7A3D872F05
8A4CCA6F-5F3E-4C7B-BF41-CB7A3D872F05
حبيب العزي (اليمن)
حبيب العزي (اليمن)