مقاعد المتفرجين

مقاعد المتفرجين

28 أكتوبر 2018
+ الخط -
بينما تشغل قضية مقتل الصحافي والكاتب السعودي، جمال خاشقجي، العالم، ولا سيما الدول الغربية، تجلس بعض الدول في مقاعد المتفرجين تراقب عن بُعد تطورات الأزمة التي تعيشها  العربية السعودية، وتحسب مقدار استفادتها منها في وقت لاحق، وهو ما بدأ يظهر فعلياً على أرض الواقع، وخصوصاً لجهة إمكان التفات الرياض إلى تحالفاتٍ أخرى في حال استمر التصعيد مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية حيال القضية.
تجلس إيران على سبيل المثال في الصف الأول لمقاعد المتفرجين، ولا شك في أنها تستمتع بالتصريحات والمواقف وتلميحات العقوبات ضد السعودية، والتي تصدر يومياً من المحافل الغربية. انتظرت طهران أكثر من 15 يوماً على مقتل خاشقجي لتطلق موقفاً يدين الجريمة، ويرمي مسؤوليتها على السعودية والولايات المتحدة. قبل ذلك، اكتفت بالمراقبة عن بُعد، ولا شك في أنها كانت مراقبة مع جرعة عالية من الشماتة بالسعودية التي قادت حملة ضد الاتفاق النووي الذي أبرم مع إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، ونجحت في دفع الرئيس الحالي، دونالد ترامب، إلى الانسحاب منه، وإعادة إيران إلى الوقوع تحت سيف العقوبات. الآن ترى طهران أن الأمور قد تنعكس، وباتت السعودية مهدّدة بالعقوبات وبالعزلة الدولية بسبب جريمة قتل خاشقجي، والتي خففت الضغط الأميركي على إيران، بعدما وجدت إدارة ترامب نفسها في حرج التحالف مع الرياض، بسبب الضغط الممارس عليها من الكونغرس ووسائل الإعلام الأميركية.
لسان حال طهران اليوم ينشد مقولة "عدو غبي خير من حليف ذكي"، فالسعودية قدّمت هدية لم تكن إيران لتتوقعها في هذه الفترة التي اقتربت فيها العقوبات الأميركية من التطبيق، فأبعدتها عن الأضواء، لتحتل الرياض صدارة السخط العالمي. ستبقى إيران حالياً في مقعد المتفرج الشامت، وانتظار ما ستؤول إليه الأمور، وهي تتوقع أن القضية ستطول وتداعياتها ستستمر فترة غير قصيرة، وهو ما يصب في المصلحة الإيرانية.
متفرج آخر، لكن غير شامت هذه المرة، هو روسيا، والتي انتظرت طويلاً قبل أن تخرج بموقفٍ في قضية قتل جمال خاشقجي. وقد جاء الموقف معاكساً كل ما يقال في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، إذ نصّب الكرملين نفسه مدافعاً عن العائلة الحاكمة في السعودية، رافضاً تصديق اتهامها بالجريمة. الموقف الروسي العلني، والذي يخالف القناعة المخفية لدى رجالات الكرملين، يحمل في طياته كثيرا من الحنكة السياسية والانتهازية الاقتصادية، فالروس يراقبون بحذر تطورات العلاقة السعودية مع الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، بانتظار حصد تحالف سياسي جديد في المنطقة يمدّهم بمزيد من النفوذ على حساب الولايات المتحدة. وأصداء مقال تركي الدخيل وصلت إلى موسكو التي لا تتعجل المضي في خطوات تطبيع سياسي مع السعودية، بانتظار انجلاء المشهد. غير أن روسيا لا تمانع استغلال الظرف اقتصادياً، وهو ما بدا واضحاً من الاتفاقات التي تم توقيعها في منتدى "دافوس في الصحراء"  قبل أيام، إذ استغلت موسكو المقاطعة الغربية للمنتدى لاحتلال المشهد، وحصد المكاسب من الأزمة التي تعيشها السعودية، والتي أرادت إنجاح المنتدى بمن حضر، وكان الروس والصينيون أكبر الحاضرين. الصين أيضاً تجلس على مقعد المتفرجين، غير أن اهتماماتها أقل مبدئياً من روسيا، إذ تنحصر بالمكاسب الاقتصادية وملء الفراغ الذي قد تشكّله مقاطعة الشركات الغربية، أو وقف الدول الغربية بيع السلاح إلى السعودية.
مقتل جمال خاشقجي، إلى الآن، ليس مجرّد جريمة فردية، بل يبدو أنه سيكون محطّة مفصلية قد تغير المشهد السياسي في المنطقة، ليدخل لاحقاً المتفرجون ويحتلوا مكان اللاعبين.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".