أسئلة أزمة

أسئلة أزمة

26 أكتوبر 2018
+ الخط -
يسأل الصحافي: ما هي أوجه الأزمة في المشهد السياسي المغربي؟
أفكر في أن صاحبي يحتاج جوابا سريعا بلا تعقيدات، ولا محاذير في المنهجية والبناء الإشكالي، وأنه يفضل أن يكون مثيرا على إيقاع "الأخبار" السائلة في زمن ديكتاتورية زر الإعجاب. وأتصور أنني قد لا أبدو جدّيا إن أجبته بحزمة أسئلةٍ جديدةٍ تشكّك في منطلقات السؤال الأصل.
انتبه إلى أن توصيف الأزمة نفسه يطرح إشكالا على مستوى الخطاب واستراتيجيات حامله. المضمون والتكييف قد يختلفان بين الفاعل والصحافي والباحث. وهما يختلفان تماما حسب موقع الفاعل الذي يحدّد نوعية خطابه: خطاب الأزمة أم الخطاب الذي يجنح إلى نزع الطابع الدرامي والتهويلي على الأحداث، وحتى عندما يقر بالأزمة يصفها بأنها أزمة تحول أو شيء من هذا القبيل.
عموما، أوضح لصاحب السؤال أن ثمة مستويات للحديث في الموضوع. طبعا هناك الأزمة في الزمن القريب كما تعاش ويتمثلها الفاعلون في يوميات السياسة المغربية: أزمة تدبير للشأن العام، وأزمة أجوبة وسياسات تتفاعل مع طلب المجتمع وقضاياه وتوتراته، وأزمة عملية سياسية مشوهة من خلال عجز مؤسسي فادح، وارتباك الهوية السياسية للحكومة، وطبيعة الأغلبية البرلمانية، وربما في الخلفية كذلك أزمة السياسة نفسها، السياسة مجالا للإرادة وللشرعيات المجتمعية وللتداول العمومي.
طبعا هناك مستوى أعمق، تنتمي فيه الأزمة إلى زمن مجتمعي أكثر ثقلا، وهو يهم علاقة الدولة بالمجتمع في ضوء التحولات البنيوية التي تشهدها بلادنا، كما تبرز من خلال الأشكال الجديدة للاحتجاج مثلا.
بين هذين الزمنين، يمكن الوقوف على عنوانين كبيرين لما درج اليوم على تسميتها الأزمة: أولا لنلاحظ ضعف نمط من التعبئة القادمة من أعلى، حيث على عكس السنين الأخيرة، وربما العقود الثلاثة الأخيرة، ليس هناك "وعد كبير" ينتظم داخل الإرادات والآمال والطموحات الجماعية، ليس هناك شعار مركزي أو عنوان واسع يعطي المعنى للعملية السياسية (على شاكلة التناوب/ الإنصاف والمصالحة/ الإصلاح المؤسّسي..)
ثانيا، غياب الثقة، في السياسيين، في السياسة إمكانية لتغيير الحياة، في الأحزاب، وفي 
المشاريع الحزبية. ولكن، كيف يمكن تجاوز حالة الانسداد السياسي؟ الملاحظ أنه ليس هناك إقرار بحالة الانسداد داخل الرقعة السياسية المؤسساتية، حيث الخطاب عموما هنا يميل إلى أن الأمر يتعلق باختلالاتٍ عادية، وتمرين طبيعي لنمط مؤسّسي متقدّم يحاول التكيف مع الواقع.
داخل الحقل الحزبي، مثلا، ليست هناك إمكانية لطرح مشروع لما تسميه التجاوز؟ لماذا؟ لأن الأحزاب عاجزة عن المبادرة، وعن إنتاج "حالة حاجة للإصلاح"، وهي منشغلة بتدبير علاقتها السياسوية بالدولة، أما الدولة فمنشغلة بتدبير علاقةٍ جديدةٍ مع مجتمع متحوّل.
هذا الانشغال يجعلها تحرص على حضور أكبر وأقوى، على الرغم من أنها تعرف أنه مكلف سياسيا.
إنها تعيش هنا ما يسميه هنتغتون بمعضلة الْمُلكُ: على الدولة أن تتفاعل مع المطالب الصاعدة من أسفل، وهي تعرف أن الجواب على تلك المطالب قد يعمل على التنقيص من حدة الطلب الاجتماعي، كما قد يعمل على زيادته.
قد يسأل سائل: هل هناك دور للنخب؟ الواقع أن النخب تعاني أزمة ثقة في مشروعها. إنها على صورة تعبيرات الوساطة المجتمعية المنهكة. النخب الحزبية جزء من أزمة الأحزاب، النخب المدنية التي أفرزها التحول الليبرالي الذي دخله المغرب منذ التسعينيات توجد بين فكّي كماشة: من جهة الدولة تسترجع مساحات كثيرة بنت عليها هذه النخب شرعيتها. من جهة أخرى، إنها تشعر بأنها كذلك معنية بالانبثاق الواسع لهذه الدينامية الاجتماعية الجديدة، يجب ألا ننسى أن منطق الاحتجاج يحمل في كثير من جيناته عداءً مبطناً لفكرة النخب.
هذا عن النخب، قد يضيف السائل: وماذا عن الشباب؟ وأي وصفةٍ لمصالحةٍ مطلوبةٍ بينهم وبين السياسة؟
أتصور أن أول شيء هو الاقتناع بأن الأمر ليس في حاجةٍ إلى وصفاتٍ مسبقة بمفعول سحري. العلاقة بين الشباب والسياسة مجرد جزء من كل، وهي مجرّد مظهر جزئي من ترتيبٍ عام معقد، تاريخي، ثقافي يلخص العلاقة بين المجتمع والسياسة.
خارج التركيز الإعلامي، وداخل خطابات الفاعلين، والمليء بالكليشيهات والأفكار النمطية حول الموضوع، العلاقة المتوترة مع السياسة باعتبار السياسة ممارسة حديثة، مجالا عموميا للتداول، تشمل جميع مكونات المجتمع وأجياله.
لنفكر في الجهة المقابلة كذلك، ولنفكر في الحاجة إلى عودة السياسة، وإلى تحولها إلى آلية ناظمة للقرار العمومي، وللاجتماع المدني، ومهيكلة للحياة العامة. وسنعرف أن هذه المصالحة تحتاج ليس فقط إلى إقبال الشباب، ولكن إلى أن تصبح السياسة نفسها مقنعة بالجدوى، ومليئة بالمعنى، وأن تصبح في وعي الشباب وغيرهم قادرة على تغيير حياتهم، وليس فقط شيئا غامضا أو مخيفا، أو بلا معنى.
2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي