المارق الأكبر

المارق الأكبر

25 أكتوبر 2018
+ الخط -
جاءت عملية تصفية الصحافي والكاتب، جمال خاشقجي، بنتائج غير محسوبة على ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وبلغت في تداعياتها حد تهديد فرصته في الوصول إلى عرش المملكة. وتبيّن من تفاصيل القضية حتى الآن أن جهاز بن سلمان لم يقدّر عواقب العملية، وما يمكن أن يترتب عليها من مخاطر، وظهر في ردود الفعل على الجريمة أن من اتخذ قرار القيام بها شخصٌ لا يمتلك ذرة عقل، ولم يُخضعها للدراسة، أو يفكر في ما يمكن أن تولده من انعكاساتٍ سلبية على السعودية.
هناك إجماع على أن من أصدر الأمر لتنفيذ العملية هو بن سلمان شخصيا، وهذا تؤكده وقائع العملية التي اعتمدت على إرسال فرقة من القتلة من محيط ولي العهد السعودي، من بينهم مرافقون شخصيون له، وتثبت ذلك المعلوماتُ التي تكشفت في الأدلة التي توفرت للمحققين الأتراك عن طريق التسجيلات التي توثق اللحظات الأولى من عملية تصفية خاشقجي، وهي تتضمّن مكالمات بين المنفذين ومستشاري بن سلمان، ويطلب فيها المنفّذون تعليماتٍ محدّدة هي من صلاحيات ولي العهد السعودي.
وبدت روايات السعودية النأي بولي العهد عن الجريمة ملفقة وضعيفة، ولم تصمد أبدا أمام سيل الأدلة التي توفرت لفريق التفتيش التركي، ونشرت صحفٌ عالميةٌ، مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست، تهديدات سابقة كانت تصدر عن فريق ولي العهد (سعود القحطاني) للمعارضين بالقتل، وكان يتم بثها من خلال وسائل التواصل، هذا غير عمليات المطاردة التي كانت تتم علانيةً لنشطاء واختراق هواتفهم وحساباتهم على وسائل التواصل. وكتبت "واشنطن بوست" أن القحطاني وضع قائمة سوداء، تحوي أسماء منتقدي ولي العهد، وأعادت نشر ما غرّده العام الماضي: "هل تعتقد أنه يمكنني التصرف بمفردي من دون توجيه؟ أنا موظف ومنفذ أمين لأوامر سيدي الملك، وسمو سيدي ولي العهد الأمين".
وظهر من خلال إدارة فريق بن سلمان القضية، وتعامله مع ردود الفعل، أنه يعيش بعيدا عن ما يجري في الكون، أو أنه منقطع كليا عن العالم، وهناك من يفسّر سبب ذلك بحالة الغرور والغطرسة التي ركبت ولي العهد، وكانت تحول دون جرأة أي من المقرّبين منه على إبداء رأي أو توجيه نصيحة، علاوة على أن فريقه هو مجموعة من عديمي الخبرة، ولا يوجد بينهم من هو على درايةٍ بشيءٍ خارج حدود العالم الافتراضي الذي يعيشون فيه.
باستثناء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وصهره ومستشاره، جاريد كوشنر، هناك رأي عام دولي سياسي وإعلامي، مفاده بأن قضية خاشقجي قضت على مستقبل بن سلمان، وأحرقت كل أوراقه. وثمّة مطالبات تتم بصوت مرتفع في الولايات المتحدة وأوروبا، تدعو إلى وقف بن سلمان، قبل أن يتعزّز موقعه، ويتحول إلى طاغيةٍ مدجّج بكل أدوات البطش. وانعكس ذلك في رأي عام دولي ضاغط يدفع نحو ضرورة قطع الطريق أمامه، ومنعه من الوصول إلى الحكم، وباتت تجاوزاته الخطيرة ماثلةً للرأي العام، وخصوصا الحرب في اليمن، حيث يتحمّل هو وحليفه ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، مسؤولية الدمار الكبير الذي لحق بهذه البلاد، وما أصاب شعبها من أمراضٍ ومجاعاتٍ تطاول حوالي 13 مليونا.
تعرّضت السعودية خلال ثلاثة أسابيع إلى السخط والاشمئزاز على نحوٍ لم تشهده في تاريخها، بسبب البشاعة التي تم بها ارتكاب الجريمة، وصارت موضوع تهكّمٍ وسخريةٍ من خلال الروايات الركيكة التي تم تقديمها لتبريرعملية قتل خاشقجي، والتغطية على ولي العهد، فمرّة تحدثوا عن مشاجرةٍ وأخرى عن كتم أنفاس، وكل ذلك من دون علم بن سلمان الذي صار يجري النظر إليه رمزا للرعونة والتهوّر والجنون والكذب.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد