أهلاً بالكسل

أهلاً بالكسل

24 أكتوبر 2018

(Getty)

+ الخط -
أكّد علماء أميركيون أن الكسل يطيل العمر، وذلك بالنسبة للإنسان وجميع المخلوقات. وفي شيء من التفصيل، توصل العالم لوك ستروتز من جامعة كانساس، إلى أن الكائنات التي تتمتّع بنمط الحياة النشيط هي الأقصر عمرا، فكلما كانت عملية التمثيل الغذائي أسرع كانت الحياة التطورية أقصر، ويقصد بهذه الحياة القدرة على التكيف مع بيئة متغيرة، كما أن من يعيش أكثر هو الكائن الأكثر "لمعانا"، على الرغم من أن ما يملكه من سماتٍ ليست ذات فائدة، مثل الذيل الطويل للطاووس، والعرف المزركش للديك.
ما توصلت إليه الدراسات ينطبق فعلا على الواقع، ويبدو أن الكسل يطيل العمر فعلا، وأن من يعملون يحترقون، في أوجز تعبير أو تلخيص. وقد تداول الجنس اللطيف مثالين من خلال موقع فيسبوك عن امرأتين، تقوم إحداهما بكل شيءٍ في البيت والحياة، بدلا عن الزوج والأولاد، لكنها في النهاية لا تجني سوى نكران الجميل والأمراض والذبول، وهروب الزوج إلى امرأة أكثر شبابا. أما المرأة الثانية فهي تركن إلى الكسل منذ بداية حياتها، ولذلك نجدها مرتاحةً ليست ذات بال لدنيا تقوم وتقعد من حولها، فزوجها يستقدم لها خادمةً لتدير البيت، ويقوم الزوج بمهام رعاية الأولاد، ويوفر كل السبل لكي يسد العجز في دورها، وانحصاره في اهتمامها بنفسها وزينتها، وعدم رغبتها في إهانة هذه النفس.
إلى الجانب الآخر، لسنا نرى على أرض الواقع موظفا نشطا يحصل على ترقية، ولا نسمع عن طالب نجيب تم تعيينه في الجامعة معيدا إلا في حالات نادرة، لكننا نرى أن القادرين على التلوّن والتغير حسب البيئة، والقيام بكل ما تتطلبه الحياة التطورية في هذا الزمن، من نفاق ومجاملة وتبادل مصالح، هم من يصلون إلى المناصب، وينالون الترقيات والعلاوات والدرجات، ويظفرون بالسفريات تحت مسمّى مصلحة العمل.
لم تعجز السينما عن تصوير الموظف النشيط بأنه يعمل كأنه "حمار شغل" بين زملائه، ويتم نقله إلى الأرشيف الذي يتطلب مجهودا مضاعفا، فيما يظفر زملاؤه ممن يجيدون "التنطيط" بالمناصب والترقيات. ولن ننسى نظرة الخذلان في عيني موظف مقهور، قام بدوره باقتدار الممثل عماد حمدي، أو زكي رستم، في تصوير موجع لحال الموظف الغلبان، ولكنه نشيط، هذه هي مصيبته أنه يعاني من نشاطٍ مفرطٍ وإخلاصٍ نادر بلا لسان.
على صعيد آخر، ذكرت إحصائيات عالمية حديثة أن هناك مرضا يرتبط بالكسل، وينتشر بين أوساط الشباب والمراهقين خصوصا، وهو من الأمراض التي ظهرت حديثا بفعل تطور التكنولوجيا، ويعرف بـ"الكلينومينيا"، وهو عدم الرغبة في مغادرة السرير مع وجود مكثف على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال الهاتف وجهاز الحاسوب (اللاب توب).
ويحذّر الأطباء النفسيون من هذا المرض النفسي الجديد، والذي يعتقد أولياء الأمور أن أولادهم وبناتهم بخير، لأنهم يفضلون البقاء في غرفهم، وعدم الرغبة في مغادرتها والخروج إلى العالم الخارجي، لكن النتيجة التي يجنيها هؤلاء الأولاد والبنات أنهم يحصلون على الطعام وهم بلا حراك، ولديهم المال والخير الوفير، في حين أن غيرهم من الأبناء يعملون من أجل توفير قسط الجامعة أو شراء كتاب. وفي النهاية، نكتشف أننا أمام نتيجة واحدة، فالطالب الذي جد واجتهد قد تخرج من الجامعة، وأصبح بلا عمل، ولن يجد أمامه سوى عالمٍ من الخيال، هو العوالم الافتراضية التي توفرها "السوشيال ميديا"، والطالب الذي يلازم غرفته بفعل الكسل اختصر الطريق، ووصل إلى النهاية نفسها التي وصل إليها الطالب النشيط.
المعادلة مقلوبة، وأخذ الحياة على محمل الجد عند قلةٍ من الناس لا ينفع ولا يجدي. وفي ذلك وأخيراً تقول دراسة ألمانية إن الأشخاص الذين يستيقظون مبكرا هم الأكثر عرضةً للتوتر، وإن ممارسي الرياضة هم الأكثر إصابة بفقدان الذاكرة حين يهرمون. ولذلك يبدو أن علينا أن نهتف: أهلاً بالكسل، ونصافح بحرارة الذين يصلون إلى مكاتبهم متأخّرين.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.