أحلام عربية تحولت كوابيس

أحلام عربية تحولت كوابيس

24 أكتوبر 2018
+ الخط -
انتفضت حكومات عربية في الرابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري ضد تهديدات غربية بمعاقبة السلطات السعودية بسبب جريمة استهداف الصحافي جمال خاشقجي، وأصدرت بيانات شجب واستنكار للتهديدات، ومساندة للحكومة السعودية  التي كانت قد نشرت ردا على تلك التهديدات حمل لهجة متحدّية، بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي توعد فيها بـ"عقاب شديد"، إذا ثبتت مسؤولية السعودية عن الجريمة، وأتبعت الحكومة السعودية الرد بمقال نشره مدير قناة العربية، تركي الدخيل، يحمل نبرة غير مسبوقة من التهديد بوقف إنتاج النفط والتصالح مع إيران وحزب الله، والتوجّه شرقا نحو روسيا والصين لشراء السلاح منهم، وفتح قواعد عسكرية داخل المملكة، وإجراءاتٍ أخرى يخيل للمرء أن كاتبها تشي غيفارا.
وبعيدا عن الخلط البائس، والذي عفا عليه الزمن، بين مسؤولية أشخاص داخل النظام السعودي عن الجريمة والمملكة ككل، وبغض النظر عن تراجع تلك النبرة التهديدية والتنصل من مقال الدخيل، ثم الاعتراف بقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وبغض النظر أيضا عن أن بيانات الدول العربية لم تصدر طوال الأيام السابقة من أجل التضامن مع خاشقجي وأسرته والمطالبة بالكشف عن مصيره، وإنما لمساندة حكومة المملكة فقط، إلا أن بيانات المملكة والحكومات العربية المساندة لها تعد أمرا بائسا ومثيرا للأسى في آن، لأن تلك التهديدات جوفاء، لن تجد أي قابلية للتنفيذ، ولأن الحكومات العربية لم تقرر الوقوف في وجه الولايات المتحدة إلا على حساب شعوبها فقط، فالمملكة لم تصدر أي بيانٍ عندما استهزأ بها ترامب نفسه، وهددها بأنها ستسقط خلال أسبوعين إذا لم تدفع الأموال، كما أن غيرها من الحكومات العربية لم تجرؤ على مخالفة الولايات المتحدة يوما في أي قضية كبرى، لكنهم جميعا تذكّروا أن هناك مسألة كرامة وطنية واستقلال، عندما أرادت الولايات المتحدة تحقيق العدالة لمواطن سعودي تعرّض للغدر على يد حكومته.
منذ استقلال الدول العربية، داعبت الجماهير العربية أحلاما عدة في سبيل تحقيق النهضة 
والخروج من المستنقع الذي لا زالت تعيش فيه. كنا نحلم أن تتّحد الدول العربية، وأن تواجه الصلف الأميركي وتحكّمه بمقدرات الشعوب، أو على الأقل أن تمتلك من أدوات التأثير ولوبيات الضغط ما يمكّنها من تغيير سياسة الولايات المتحدة نحو الأفضل، بدلا من الاستسلام للوبي الإسرائيلي داخل الإدارة الأميركية، كما حلمنا أيضا بامتلاك سلاح نووي، أو أي سلاح مماثل، لتحقيق التوازن مع إسرائيل وردعها عن احتلال الأراضي العربية. وكم تمنّينا أن يكون صدّام حسين قد امتلك فعلا أسلحة دمار شامل، مثلما كانت الولايات المتحدة تتهمه قبل غزوها العراق، وتحسّرنا على أن تلك كانت كذبة من الإدارة الأميركية لتبرير الغزو، ولأنها في المقابل لم تكن لتجرؤ على الغزو لو كان العراق يمتلك أسلحة دمار شامل فعلا. فماذا كان مصير تلك الأحلام؟
أصبحت تلك الأحلام كوابيس، فحلم الاتحاد العربي أصبح اتحادا بين مجموعة من الأنظمة القاتلة والمجرمة على حساب شعوبها، وحلم التأثير في سياسة أميركا أنتج لوبيات ضغطٍ خليجية قوية، لكنها لوبياتٌ تعمل في خدمة اللوبي الإسرائيلي، وتحرّض على بعضها بعضا، وقد كشفت الأزمة الخليجية أخيرا أن لوبيات دول الحصار لم يكن في بالها غير التحريض على دولة قطر، واتهامها بدعم الإرهاب ومعاداة السامية! عبر تنظيم مؤتمراتٍ وندواتٍ وفعالياتٍ يصعب حصر عددها.
أما حلم امتلاك سلاح الردع فقد نجح نظام بشار الأسد في تحويله حقيقة فعلية، عندما امتلك
 أسلحة كيميائية، لكنه وجهها نحو شعبه، وقتل منهم أكثر من 1500 في يوم واحد في مذبحة الغوطة عام 2013. والمفارقة أن تلك المذبحة أتبعتها موجات شجبٍ واستنكارٍ من الأنظمة العربية، لكن ليس بسبب المذبحة، وإنما تنديدا بنيّة الولايات المتحدة توجيه ضربة للنظام السوري لمعاقبته على فعلته، تماما مثل بيانات الشجب والاستنكار التي أصدروها في قضية خاشقجي، كما انتفضت تياراتٌ يساريةٌ ديناصورية نادت بدعم الأسد، ورفعت شعاراتٍ تنتمي إلى ستينيات القرن العشرين، من قبيل "مواجهة الإمبريالية الغربية"، ليقرر الأسد بعد ذلك الخنوع وتسليم مخزونه من السلاح الكيميائي، لكن اتضح بعد ذلك أنه كان يكذب، بعدما قتل مئات من أفراد الشعب السوري في مذابح أخرى متفرّقة، باستخدام تلك الأسلحة، واتضح أنه كان يستخدم المكر والخداع والدهاء ضد أميركا، وهي صفات تمنينا أن يتحلى بها الحاكم العربي قبل ذلك، لكنه استخدمها حتى يتسنّى له ضرب شعبه، كما يريد. كما أصبحت الحكومات العربية تتمنّى أن يفوز بالانتخابات الأميركية أي حاكم لا يحاسبها على جرائمها، ولا يهتم بحقوق الإنسان والديمقراطية، وإلا فإنها ترفع شعارات الصمود والتصدّي في مواجهة العدوان وقوى الاستكبار العالمي!
تحولت كل تلك الأحلام إلى كوابيس مفزعة في أيامنا، وأصبحنا نتوجّس خيفة من رافعي شعارات الوحدة والاستقلال الوطني، وامتلاك الإرادة الوطنية، وأسلحة الردع ضد القوى الكبرى، لأننا نعلم أن تلك الشعارات ليست إلا على حساب المواطن العربي فقط، وأصبحنا لا نريد أن تتحقق أي من تلك الأحلام – الكوابيس، ولم نعد نعرف هل العيب فقط في من قام بتحويل تلك الأحلام كوابيس، أم في الأحلام نفسها.
D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.