أميركيون وبن سلمان

أميركيون وبن سلمان

22 أكتوبر 2018
+ الخط -
يترجم التصرّف الأميركي في قضية اغتيال الصحافي والكاتب جمال خاشقجي تماماً ماهية السياسة الأميركية العامة، القائمة أساساً على "تأمين المصالح بغضّ النظر عن الأشخاص"، ولئن كان هذا المبدأ سائداً في مختلف الدول، خصوصاً في أوروبا، إلا أن الأوروبيين يعملون دائماً على إظهار الجانب الإنساني لديهم، على الرغم من أن رغبتهم في تحصيل المصالح شبيهة بالرغبة الأميركية.
دونالد ترامب، جاريد كوشنير، مايك بومبيو، جيمس ماتيس، رباعي أميركي برز اسمه في القضية التي تهزّ العالم حالياً. يعمل الرئيس الأميركي ترامب من دون كلل على محاولة كسب الأموال السعودية قبل أي شيء آخر. وكان واضحاً في ذلك مراراً "الأموال أولاً"، وطبعاً على حساب الشخص، ليس لأنه خاشقجي، بل لأن واشنطن التي دخلت في سلسلةٍ طويلةٍ من الاتفاقيات المالية مع السعوديين ترغب في تأمينها وضمان استمراريتها في الدرجة الأولى. هنا يأتي دور مايك بومبيو، وزير الخارجية الذي زار الرياض وأنقرة الأسبوع الماضي، بغية التوصل إلى اتفاق ما في شأن قضية خاشقجي. وليس غريباً القول إن الأميركيين ربما يقبلون إزاحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن الواجهة في الرياض، شرط تدبير خلفٍ يواصل مساره في إطار الاتفاقيات والأموال المدفوعة للأميركيين. وقد يكون دور بومبيو في تأمين الخلف بمثابة خطوة أميركية استيعابية للهجمة الأوروبية، والعالمية عموماً، على بن سلمان.
مع ذلك، لا يبدو ترامب مرتاحاً، فصهره، كوشنير، متورّط، بحسب أحد نواب الحزب الديمقراطي الأميركي، بتسريب خبر سفر خاشقجي إلى تركيا، لبن سلمان، ما يعني، وفق المنطوق القضائي، أن "البيت الأبيض، أو أقله كوشنير، متورّط بصورة غير مباشرة في جريمة قتل خاشقجي". وفي حال تبنّى الحزب الديمقراطي هذا الخيار، وهو ما لم يتضح بعد، فسيدفع ذلك ترامب نحو اتخاذ قرارات محدّدة، على وقع اقتراب موعدين مهمين: العقوبات الأقسى على إيران في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والانتخابات النصفية في الكونغرس في 6 منه.
في "القرارات المحدّدة"، يلوح ترامب بالملف الإيراني مجدّداً، خصوصاً في قوله إنه "يحتاج السعوديين في المواجهة مع إيران". وبالطبع، يعني تشديده على هذا القرار أنه مستعد للتلويح بالقوة، على الرغم من اعتراض وزير الدفاع، جيمس ماتيس، ضمنياً. وماتيس يرفض الحرب على إيران، خصوصاً أن مسار العقوبات والضغط السياسي يؤتي ثماره، في قرار يُعتبر "منطقيا"، غير أنه، ولدى سؤال ترامب عن احتمال استقالة ماتيس منذ أيام، كان جوابه أقرب إلى إمكانية رحيل وزير الدفاع عن منصبه. وغنيٌّ عن التعريف أن ماتيس هو آخر رجال العصبة الذين عارضوا ترامب ورحلوا، كوزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي، هربرت مكماستر، وغيرهما. وإزاحة ماتيس تعني إحكام ترامب سيطرته التامّة، أي من دون أدنى اعتراض، على قرارات الدبلوماسية والحرب في البيت الأبيض.
من الطبيعي أن مسار ترامب في الشرق الأوسط يهدف إلى إبقاء السعودية تحت سيطرته، مع أن لذلك أثماناً باهظة، فمحمد بن سلمان، ووفقاً لكل الخطوات الحاصلة في الرياض، لن يترك منصبه لأحد، وهو مستعدٌّ للقتال من أجل بقائه ولياً للعهد. يكفي أنه بدأ إطاحة المقرّبين منه ومن والده، على خلفية قضية خاشقجي. يضحّي برجاله للبقاء على قيد الحياة سياسياً. يمكنه أيضاً اعتبار أن "القرارات تصدر من والدي وليس مني". يمكنه التعليل بالكثير، لكن الثابت أن العالم بدأ يرفض صورة بن سلمان، في ظلّ الضغط الاعلامي الغربي.
هل يفكّر بن سلمان بذلك كله؟ بالطبع لا، جلّ اهتمامه منصبّ حالياً على "إقناع" العالم بأنه "لم يكن على علمٍ باغتيال خاشقجي، والعالم حرّ بما يريد تصديقه". فهل تعتقدون أن شاباً في منتصف الثلاثينات، والحياة أمامه، مستعد للتنحّي باكراً عن السلطة؟ لا أعتقد ذلك، فنحن في البداية.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".