خاشقجي.. قضية حرية الإعلام أيضاً

خاشقجي.. قضية حرية الإعلام أيضاً

21 أكتوبر 2018
+ الخط -
دخل الكاتب والصحافي السعودي، جمال خاشقجي، قنصلية بلاده في إسطنبول في 2-10-2018 ولم يخرج منها أبداً. هذا أصل كل نقاش جرى في الصحافتين العربية والعالمية. وبالتالي هنا سبب المطالبة بحق الحياة والحرية الصحافية للرجل، ولنا. كل ما أشيع لاحقاً عن عملية تصفيته يحسمه التحقيق الجنائي والقضاء الدولي بالتأكيد. مشكلتنا الثانية أن هناك علاقات كانت شبه مقطوعة بين كل من تركيا والسعودية من ناحية وتركيا وأميركا أيضاً، وبعد الاختفاء المعلن أمام أنظار العالم لخاشقجي، عادت المياه إلى مجاريها، وكأنّ الأمر لم يكن سياسات متعارضة، فما حصل إذاً؟ العلاقات المستعادة وحدها تقول إن دماءً سُفكت.
لا يعنيني بشكل واضح، أكان جمال خاشقجي مناصراً للنظام السعودي وقريباً من أمرائه عقودا، ولكن يعنيني أنه أصبح منتقداً لحكام المملكة، ويدافع عن ضرورة الحريات العامة، ويرفض شكل الانتقال السعودي إلى "الإصلاح"، والذي يتطابق بحقيقته مع انتقال الحكم من الملك سلمان إلى ولي العهد محمد بن سلمان، واستغلال تأزم الوضع السعودي إزاء الموقف من رجال الدين بالتحديد، فقام بن سلمان بعمليات ترقيعية، من أجل أن يصبح ملكاً؛ وذلك كله لصلته بخاشقجي. ما يهم، ويُفترض أن يهتم بها كل إعلامي وصحافي، هو الدفاع عن الحريات العامة وحرية الصحافة والرأي، وقبل الحق بالحياة وبعده، وفي السعودية وفي غيرها؟
سيسأل بعضهم: لماذا خاشقجي وليس سواه؟ للحق، يجب أن يكون الدفاع عن الحريات عاماً، وألا يكون تفاضلياً بين صحافي وآخر، لكن القصة المعلنة لجمال خاشقجي هي ما تدفع إلى إبداء الرأي، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يُنكر ما أثارته من نقاشات وحوارات ومواقف دولية وإقليمية، وفي الصحافة بكل أنواعها؛ هنا القضية.
يتجاهل المدافعون عن السعودية بقضها وقضيضها قضية الحريات، وحرية الصحافة، ويتناولون موضوع الاختفاء بخفّة كبيرة؛ فيخترعون علاقة بين خاشقجي والإخوان المسلمين، أو بينه وبين قطر، وبذلك يشيطنون الرجل، ومنهم من يتذاكى بأن الرجل لم يكن معارضاً صلباً لنظام 
الحكم، وبالتالي ليس من عداءٍ مستحكم بينه وبين المملكة، فلماذا تقتله في قنصليتها في إسطنبول. ليست هذه الحجة سليمة، فهناك حوارات ومقالات لجمال خاشقجي تؤكد ابتعاده عن نظام الحكم، وخوفه من الاعتقال و"هروبه" من المملكة، وبالتالي تصفيته، سيما وأنه أصبح للرجل أصبح اسم عالمي، وبالتالي له تأثير وفاعلية على الداخل السعودي، وإن لم ينخرط في المعارضة السعودية أو اتخذ موقفاً نقدياً شاملاً من سياسات الملك وولي عهده.
هناك إشكالية حقيقية، وتتعلق بشكل "الإصلاح" في السعودية، حيث رافقها مقتل بعض الأمراء واعتقال بعضهم ومصادرة أموال آخرين، وعُقدت صفقات للإفراج عن بعضهم؛ وكذلك تردّي وضع المعتقلين واعتقال عشرات من الدعاة والناشطات المدنيات أخيرا، وبدون أي محاكمة أو من خلال سلطة القضاء. وقد تمت إعادة ذلك كله إلى مسؤولية ولي العهد، وأنه الرجل القوي والفاعل في كل ملفات السعودية، وبدءاً بالحريات، وليس انتهاءً بالاقتصاد.
هذه الإشكالية هي ما يدفع إلى قبول كل السيناريوهات المتعلقة بتصفيةٍ بشعةٍ لخاشقجي، وأقلها اعتقاله وإخفاؤه، على الرغم من أن أغلبية القراءات تميل إلى حدوث تمثيل وتصفية للرجل في تركيا.
تفيد التصريحات الأميركية، وبدءاً بالرئيس دونالد ترامب، والأوربية كلها، بأن هناك جريمة حدثت، وعلى السعودية أن تدفع ثمناً باهظاً لتجاوز ما فعلته. الدول هذه، وتحديداً أميركا، تبحث عن مصالحها، وقالها ترامب بوضوح شديد، مصالحنا أولاً، وبالتالي المملكة متهمة بقتل جمال خاشقجي، وعليها أن تجد حلاً يُرضي العالم لتفادي فعلتها الكارثية. وفي هذا السياق، سيتم البحث عن مخرج ما لولي العهد ولأبيه.
أغلب الظن، سيطير محمد بن سلمان، فليس من الممكن أن يخرج من القضية وتداعياتها سالماً، 
فكل ما يتعلق بالجريمة يرتد إليه؛ فهو الرجل الأول في مملكة أبيه، وليس من الممكن تجاهل هذه الفكرة. انتهى دور ولي العهد، وقد فعل ما تتمنّاه كل المعارضة السعودية وكل الأمراء المتضرّرين، وربما قطاع شعبي سعودي واسع، أي أنّه مارسَ قتلاً معلناً، وأمام العالم بأكمله، وبالتالي يجب إخراجه من المشهد بشكلٍ كلّي.
تقول تعليقات بعض اليساريين إن خاشقجي كان دائماً مؤيداً للنظام السعودي، ويتجاهلون انتقاداته الأخيرة. وكذلك يقولون إن إعلام قطر والتابع لها هو خلف كل هذه الضجة، ولكن هل يمكن تجاهل كل الاهتمام العالمي، والأميركي تحديدا؟ أيضاً هنا الكلام خارج السياق، ولكن هل ستستفيد قطر من الانتقادات للمملكة، أقول طبعاً ستستفيد، وهذا جزء من الصراع الإعلامي والذي يدعم الصراع السياسي، وهي قضيةٌ لا تقتصر على قطر، بل على كل الدول.
تتأتى قوة المدافعين عن حق خاشقجي بالحياة والحرية من الدفاع عن جملة حقوق الإنسان والحريات العامة، وليس من الصراع السعودي القطري، أو السعودي والعالمي، وبالتالي يجب ألا تُهمّش قضية الحريات بسبب ذلك، بل يجب أن تكون قضية الحريات قضيتنا، نحن الإعلاميين، بامتياز، وهذا مما سيُقوي قضية الدفاع عن الحقوق عامة، وبكل أشكالها، وليس فقط الحريات الصحافية.
على كل حال، ربما، يكون مقتل جمال خاشقجي سبباً لبداية إصلاح داخلي حقيقي، ولإعادة علاقات سليمة بين المملكة وقطر واليمن، وليس فقط مع تركيا؛ سيسمح خروج محمد بن سلمان من ولاية العهد والمشهد السعودي بذلك، وحينها لن تضيع دماء الرجل بين العرب والعجم سدىً.