خاشقجي... صمت القاهرة وأبوظبي

خاشقجي... صمت القاهرة وأبوظبي

19 أكتوبر 2018
+ الخط -
مر قرابة 18 يوما على اختفاء الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في اسطنبول، وحفلت هذه الفترة بقصف إعلامي وسياسي موجّه نحو السعودية قل نظيره. وعلى الرغم من أن أجهزة المملكة المعنية كانت غائبة كليا، كالإعلام والدبلوماسية، فإن اللافت أيضا هو عدم صدور مواقف ذات قيمة أو وزن من القاهرة وأبوظبي تشد من أزر الرياض، وهما أقرب حليفين لها، وتجمعهم ملفات إقليمية متعددة في الخليج والبحر الأحمر والشرق الأوسط، من حصار قطر حتى صفقة القرن والخصام مع تركيا.
لماذا لم تسارع مصر والإمارات  إلى تحديد موقف من العملية، ولم يبادر مسؤولون من هذين البلدين بزيارة السعودية، ولو من باب الشكليات، وتركوا ولي العهد محمد بن سلمان يتلقى الضربات الإعلامية والسياسية وحيدا طوال هذا الوقت؟ هل هناك ارتباكٌ أم سوء تقدير قاد مسؤولي البلدين إلى استنتاج أن المسألة سوف يتم طي ملفها بسرعة، وستمر مرور الكرام بفضل مسارعة إسرائيل والولايات المتحدة إلى دعم بن سلمان؟
لا يمكن تصريف هذا الموقف الغريب في حساب أن الطرفين أرادا النأي بالنفس عن الجريمة، فالحكمان في مصر وأبوظبي لا يقلان فظاعة عنه في السعودية تجاه التعامل مع المعارضين، فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بارع في قتل معارضيه وسجنهم ونفيهم وتعذيبهم. وبدوره، قام ولي عبد أبوظبي، محمد بن زايد، في تنظيم محاكمات صورية وتلفيق تهم واهية لمعارضيه، ويقبع في سجونه مثقفون وكتاب وصحافيون ودعاة، كما أنه حوّل الإمارات التي كانت أرض استقبال وانفتاح وأمان إلى مزرعة رعب، لا صوت فيها يعلو على صوت الأمن.
أغلب الظن أن الموقف يختلف بين القاهرة وأبوظبي، فلكل من السيسي وبن زايد حساباته تجاه ما تمر به السعودية. ولا شك أن الرئيس المصري أخذ في الاعتبار الموقف الأميركي من العملية، واستمع إلى الصوت العالي للرئيس ترامب وهو يتوعّد السعودية في حال تورّطها بتصفية خاشقجي، وخاف حاكم مصر أن يغضب ترامب إذا ذهب نحو حليفه بن سلمان ليسانده في الضرّاء مثلما وقف بن سلمان إلى جانبه كل هذه السنوات. وهناك مصادر مصرية ترى أن السيسي يرى في ضعف بن سلمان فرصة كي يبتزه أكثر، وهذا سلوكٌ جرّبه السيسي، وأعطى نتائج هامة في اليمن والموقف ضد إيران، وظلت السعودية تدعمه اقتصاديا، على الرغم من أنها لم تحصل منه على مواقف ملموسة في أزماتها الفعلية، وخصوصا تورّطها في اليمن.
أما حسابات بن زايد فهي متأتيةٌ من علاقته الخاصة مع بن سلمان، ورعايته أعماله خلال السنوات المنصرمة، عبر تجيير كل إمكانات الجهاز الإماراتي واللوبي الكبير في الولايات المتحدة من أجل تسويق بن سلمان أميركيا وإسرائيليا. وربما أحس بن زايد أن هذا الاستثمار أعطى نتائج سلبية، حيث بات حليفه الرئيسي، بن سلمان، مربوطا من عنقه بجثة خاشجقي، ولا يستطيع أن يتحرّك أو يتصرف، وهو يواجه موقفا لا يمكن لبن زايد أن ينقذه منه، وخصوصا بعد أن بدأت الأصوات في أوروبا والولايات المتحدة تعلو مطالبة بضرورة تنحية بن سلمان، وإلا فإنه سوف يقود المملكة والمنطقة إلى مستقبل خطير جدا.
أي موقف إيجابي تجاه بن سلمان في هذه الفترة، وقبل أن تتضح مسؤوليته في عملية تصفية خاشقجي، سيجري النظر إليه بعين الغضب، وسيثير الاستياء أكثر من التفهّم، ولن يعود على صاحبة سوى بالسخط والاشمئزاز. ومن هنا، يمكن فهم أسباب العزوف عن الاتصال ببن سلمان من حلفاء من الدرجة الأولى، وقد أثر في ذلك المقاطعة الدولية لفعالياتٍ كثيرة في السعودية، والحملة الإعلامية الدولية التي ذهبت بعيدا في فضحه، حتى قبل إعلان نتائج التحقيق رسميا.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد