افتتاح معبر نصيب وإغلاق باب الربيع العربي

افتتاح معبر نصيب وإغلاق باب الربيع العربي

19 أكتوبر 2018

معبر نصيب الحدودي مع الأردن في درعا (14/8/2018/فرانس برس)

+ الخط -
صار ممكنا القول إن النظام العربي الرسمي انتصر، ونجا من ثورات الشعوب، بعد محاصرتها وتمزيقها في آخر قلاعها في سورية، وبذلك تم قتل الدينامية الثورية إلى أجلٍ غير مسمّى، بعد أن تكفل القمع الوحشي بتفكيك عناصر تلك الدينامية، قتلاً وتهجيراً.
لا ليست نهاية سبع سنوات، على ما يحسب مؤرخو الربيع العربي، بل نهاية أحلام أكثر من نصف قرن بالحرية والعدالة، فالربيع العربي الذي تفجّر في نهاية 2010 كان نتيجة وعي عقود سبقته تحت حكم الاستبداد والمافياوية، لم يكن نتيجة خطأ ارتكبته الأنظمة في سنة 2010، ولا نتيجة الغلاء في ذلك العام، أو تراجع النخب الحاكمة عن وعودها الانتخابية، بل نتيجة تراكم للغضب والإحباط والألم والأمل.
من المفارقات العجيبة أن يتحوّل افتتاح معبر نصيب - جابر بين الأردن وسورية إلى واحد من المؤشرات الكبرى على انتصار الثورة المضادّة التي بذلت طاقة كبيرة لإعادة الأمور إلى مجاريها ما قبل مرحلة اندلاع الربيع العربي، ومن المفارقات أن اللاجئين لن يعودوا عبر هذا المعبر إلى سورية، بل أن نظام الأسد هو الذي سيعود عبره إلى حاضنته الرئيسية، النظام الرسمي العربي الذي سيستقبله مخلصا ومنقذا، بعد خلاف داخلي جرى تجاوزه.
صحيح أن هذه العودة لن تجري عبر احتفالية وأناشيد وعزف للموسيقى (الوطنية)، ذلك أن
الجرح لم يزل ساخناً، وأن ما ارتكبه نظام الأسد بحق السوريين يصعب على النظام الرسمي العربي مسحه بسهولة. لكن، ولضرورات الواقعية، لا بأس من فتح طرق التجارة والترانزيت، وفي مرحلة ثانية تصبح العملية بحاجة إلى إعادة فتح القنصليات لإدارة العمليات التجارية والاقتصادية، وسيكون ذلك تحت شعار تخفيف الألم عن الشعب السوري، وهذه سيتبعها فتح السفارات لتسيير شؤون السوريين، وستنتهي العملية بدفع النظام العربي حصّته في إعادة إعمار مشاريع الأسد في سورية، على الرغم من استمرار هذا الأسد بمنع السوريين من العودة ومصادرة ممتلكاتهم.
واعتباراً من اليوم، ضمن النظام الرسمي العربي بوليصة تأمين في مواجهة المطالبين بالحرية والتغيير، على الأقل لسنوات مقبلة، فقد تشتت جموع الثورات، وتهدّمت أبنيتها وتفرقت حواملها، ولم يعد ممكناً إعادة بنائها في الأفق القريب، ثم إن هذه الثورات لم تترك تراثاً، أو بلغة أدق، لم يسمح لها بذلك، وما جرى توثيقه في سجلات الأنظمة، مجرد حالة من الفوضى اختلط فيها الإرهاب بالتمرّد ببعض المطالبات الحياتية، فأين هو الربيع العربي، وأين هي ثورات العرب؟
رمزية افتتاح معبر نصيب – جابر في كل هذا الحدث أنها تشكل بداية مرحلة إعادة تأهيل نظام الأسد إقليمياً، ربما لن يتم استقبال الأسد في قصور الحكام العرب غداً أو بعده، لكن المؤكد أنه عاد إلى البنية السلطوية الإقليمية، وأعاد تثبيت أوراق انتمائه لنخبها الحاكمة، ولم يعد تالياً نظاماً خارجاً عن المألوف، نتيجة ما ارتكبه من مذابح، ومن عمليات تغيير ديمغرافي واسع.
الرمزية الثانية لإعادة تشغيل المعبر بين سورية والأردن، ومنه إلى الخليج وأوروبا، أنها تدفن كل أمل في أن يحصل السوريون على حقهم، ليس أولئك الذين قتلتهم مكائن الموت الروسية الإيرانية الأسدية وحسب، بل مئات آلاف المعتقلين والمغيبين، وملايين المهجّرين والمصادرة أملاكهم، فما دام الإقليم والعالم بدأ يسير على سكة إعادة تأهيل الأسد فهو في فترة سماحٍ قد تمتد سنوات، سيكون خلالها معفيا من المساءلة، تشجيعاً له على الارتباط بالنظام الرسمي العربي.
وليس من الصعب على النظام الرسمي العربي إيجاد مبرّرات لهذا الأمر، ذلك أن المسألة ليست من أجل عيون نظام الأسد، بل لاحتوائه عربيا وعقلنة سلوكه وتحويله من نظام داشر يوزّع 
الموت في كل مكان، لأن ليس لديه ما يخاف عليه، إلى نظام منضبط ومضطر لمراعاة مصالحه ومصالح بلاده؟ وكذلك إبعاده عن إيران التي تهدّد هوية سورية الوطنية، وإخراج سورية كذلك من دائرة الفوضى، لارتباط أمنها بأمن الإقليم كله، وأخيراً رحمة بالشعب السوري الذي ذاق من العذاب ما يكفي، وآن الأوان كي يستريح.
يملك النظام الرسمي العربي مساحة أمان واسعة، لكي يقوم بهذه الإجراءات، فسحابة الخطر المسمّاة الربيع العربي زالت، بل أكثر من ذلك، إن الشعوب العربية، من الشرق إلى الغرب، دخلت في طور السكون. وعلى الرغم من وقاحة الحكام واستفزازاتهم، لم يعد أمر تحدّيهم من الشعوب ممكناً، ولا مرغوباً بعد أن جرى إجبارهم على مشاهدة الفيلم السوري الطويل، وكيف تكون النهايات اللاسعيدة للثورات، فلماذا إذا الاعتراض والتمرد والثورة؟
ولن يكون مستغرباً أن القوى الكبرى، وخصوصا أميركا وأوروبا، تتلطى خلف النظام الرسمي العربي، لتعلن هي الأخرى إعادة تأهيل نظام الأسد، فما دامت دول الإقليم قبلت به، لن يكون هناك ما يمنع الأطراف الدولية من اتباع هذا المسار. ولا شك أن روسيا التي تُشرف على كل هذه الخطوات والإجراءات، وتعرف من خلال دبلوماسيتها النشطة مواقف جميع الأطراف تشجع النظام الرسمي العربي على هذه الخطوة، لرفع الحرج عن الأوروبيين والأميركيين، عندما يُقدمون على خطوة تأهيل نظام الأسد.
5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".