البنات المؤنسات الغاليات

البنات المؤنسات الغاليات

17 أكتوبر 2018

ترودو مع ابنته في مكتبه في اليوم العالمي للبنات

+ الخط -
احتفى رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، بابنته الصغيرة، في اليوم العالمي للبنات، والذي صادف الحادي عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بأنْ اصطحبها إلى مكتبه الخاص في المبنى الوزاري، وسمح لها بأن تجلس في مكانه، فوق كرسيِّه المتواضع، وأمامها المكتب الذي يدير من فوقه شؤون بلاده.
في اليوم العالمي للبنات نحتضن بناتنا، ونحتفي بهنّ، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ولا أحد يعترف بأنه كان بداخله أمنية بأن يُرزَق بولد، خصوصا عندما يكون ينتظر المولود الأوَّل، على أحرَّ من النار، وتحقيق حلم الأبوَّة والأمومة، أوَّل مرَّة، وقلَّة منهم من يجدِّدون الاعتراف بأنهم أعلنوا فرحتهم لكلِّ العالم الذي يظلم النساء، ويكره البنات بفرحتهم بريحانة حياتهم، وبأنهم انتظروها بفارغ الصبر وكلِّ الشوق، وأنا واحدة من هؤلاء، حيث أجدد اعترافي بفرحتي بابنتي البكر كل يوم.
من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أبدى الروَّاد والمدوِّنون بهجتهم بهذه الصورة الجميلة التي احتلَّت مرتبة متقدِّمة، كأفضل صور الاحتفال بيوم البنات، فقد بدا رئيس الوزراء منشغلا بهاتفه، وهو يقف في زاويةٍ قريبة من مكتبه، في حين ترفع صغيرتُه المدلَّلة ساقيها فوق المكتب، وتضع ذراعيها خلف رأسها الجميل، في راحة واسترخاء.
وقد نشر رئيس الوزراء الكندي تعليقا، تحت الصورة كتب فيه: "اليوم نحتفل ببناتنا وحفيداتنا وأخواتنا، فالعالم يكبر وينمو بهنّ، فهن يحتجن للدعم لمطاردة أحلامهنّ".
في اليوم العالمي للفتاة الذي أعلنته الأمم المتحدة مخصَّصا لدعم الأولويات الأساسية؛ من أجل حقوق الفتيات، وتوفير فرص حياة أفضل لهن، وزيادة التوعية بنتائج عدم المساواة، والظلم الذي تتعرَّض له الفتيات، في جميع أنحاء العالم نقف لنتذكَّر، قبل أن نعجب برئيس الوزراء الكندي، أن الرسول الكريم، قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، قد أوصى بهنّ، حيث وضع الأسس القويمة الإنسانية للتعامل مع القوارير التي تزيِّن بيوتنا.
ما يدعونا إلى العجَب أن بعض الآباء يحبُّون بناتهم إلى درجة رفض تزويجهنّ، وفي ذلك مرض نفسي، وهناك من يحبُّون المال أكثر من البنات؛ فيرفضون تزويجهنّ؛ لكي لا ينتقل الميراث إلى صهر غريب، والأشدُّ قسوة من هذين الصِّنفين مَن يقبل أن يزوِّج ابنته، وهي طفلة؛ لكي يحمي عرضه، ويحافظ عليه؛ فتدفع حياتها ثمنا لخوف الأب الذي هو أضعف من أن يربِّي أنثى، ويحافظ عليها.
العالم المتشدِّق بيوم الفتاة هو العالم الأكثر ظلما، والذي لم يترك وسيلةً للتحايل؛ لبَخْسِها حقوقَها إلا فعلها، إلى درجة أنه قد قتلها صغيرة، وبمجرَّد أن أبصرت الحياة؛ خوفا من أن تجلب له العار، حين تكبر، في ما يعرَف بظاهرة وأد البنات، والتي أنهاها الإسلام بتكريمه البنت، وتسمية الرسول لهنّ بالمؤنسات الغاليات المجهزات، فلا أُنسَ يحضر في البيت، من دون وجودهنّ، وهذا الوجود يكون مؤقَّتا؛ لأنَّ الأمَّهات يحرصن على تجهيز الغاليات؛ ليذهبن إلى بيوت أزواجهن من الصِّغَر؛ فيعلمنهنّ تدبير أمور البيت، حتى إذا ما طرق بابها خاطبٌ، فهي تجهَّز عروسا، ويحلّ الفرح والسرور، حيثما تدور هذه الطقوس.
والتساؤل: من أين استمدَّ الآباء الطغاة هذا الظلم للبنات؟ فتجد الأب المتعلِّم الذي يشغل منصبا مرموقا يوفِّر كلَّ وسائل الرفاهية لابنته، لكنه يمنعها من الخروج من البيت. والحقيقة أن هذا الفكر يستمد من النظرة البدوية للمرأة، وليس الإسلامية، فهي أقلُّ كرامةً وحقوقا من الرجل، وأكثر منه في الواجبات، فمِن حقِّه أن يضربها، وأن يُثقل عليها بالأوامر والنواهي، ويضغط على نفسها الرقيقة، مستعينا بالتفسير المغلوط، والمنحرف للقرآن، ومستشهدا بالأحاديث النبوية الموضوعة.
الفتيات الهاربات من الصحراء إلى فضاء العالم، عِشْنَ في ظلم وقسوة من القوَّامين عليهنّ، وحُرِمْنَ أدنى حقوقهنّ، في مجتمعاتٍ تبذل جهدها؛ لكي تعزلهن عن الحياة، فيما أنَّ الحياة بدونهن تكون مثل المريض الذي يتنفّس برئة واحدة. والغرب لم ينجح، في المقابل، في التعامل معهن؛ لأن الإهدار في منحهن ما تسمّى الحقوق حوَّلهن إلى سلع، والفشل في الإمساك بوسط العصا هو السبب، لكن النبيّ الأميّ نجح في ما فشل فيه أهلُ الشرق والغرب.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.