لماذا يهتم الغرب بقضية خاشقجي؟

لماذا يهتم الغرب بقضية خاشقجي؟

16 أكتوبر 2018
+ الخط -
واضح أن الاهتمام الدولي بقضية اختفاء الكاتب السعودي، جمال خاشقجي، قد فاق على الأقل توقعات المسؤولين عنها، والمتورطين بها، ولربما كانوا سيعيدون التفكير بالأمر برمته، لو علموا أن الأمر سيجلب هذا الزخم الدولي الهائل. الزخم الذي أعطى، بحد ذاته، وقوداً إضافياً للأزمة، تجعلها تحافظ على استمرارها فترة طويلة مقبلة، كما وجعلت من الصعب جداً لهذه الأزمة أن تنتهي من دون وجود إجابات واضحة محددة لما حدث، وكيف حدث، ومن هو المسؤول عن ذلك، والنتائج المترتبة على ذلك. هناك سببان رئيسيان لردة الفعل الغربية غير المعتادة على انتهاكات حقوقٍ ليس منهما "العدالة لجمال":
أولاً: فرضية اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية، إذا صحت، فذلك يعتبر انتهاكاً فاضحاً لقوانين وأعراف أساسية يقوم عليها النظام الدولي، والذي يعتبر الغرب أهم حرّاسه، من أهمها حرية الصحافيين وحمايتهم، فمشكلة الغرب مع النظام السعودي، في حال ثبوت فرضية الاغتيال، ليست في اغتيال جمال وإنما في الطريقة التي تمت بها طريقة الاغتيال. ومرور الغرب على الحدث مرور الكرام يعني القبول وبدون مواربة باغتيال الصحافيين تشريعاً دولياً جديداً، وهو أمر ليس بمقدور النظام الدولي استيعابه، وفي الوقت نفسه، المحافظة على استقراره.
ثانياً: تعاني الولايات المتحدة تحديداً من أزمة شديدة، ومنذ فترة طويلة، في علاقتها مع العربية السعودية بسبب الحرب في اليمن. يشعر مشرّعون أميركيون كثيرون بحنق شديد، كونهم 
يشاركون الرياض العبء الأخلاقي الكبير الذي تسببت به الحرب في اليمن، إذ لا يساوي العائد عليهم من هذه الحرب حجم الإثم الناتج عن مشاركتهم غير الرسمية في الحرب. ضاقت منتديات المشرعين الأميركيين في مجلسي الشيوخ والنواب ذرعاً بالمآسي الإنسانية التي تسببت بها الحرب في اليمن، ويخشون من عواقب وملاحقات قانونية، قد تطاول بلادهم مستقبلاً، كونها المزود الرئيس للسعودية بالسلاح والاستخبارات وغيرها. وفي الوقت نفسه، لا تلوح أي نهاية للحرب في الأفق القريب، فقد جاءت حادثة جمال كالقشّة التي كسرت ظهر البعير على علاقة متوترة أصلاً ما بين الرياض وواشنطن.
تطوُّرُ الأزمة بهذا الشكل يطرح تساؤلاً أكبر، بشأن المدى الذي سيذهب إليه الغرب في الرد على قضية جمال خاشقجي، لا سيما أن تصريحات كثيرة واردة من العواصم الغربية جاءت على درجةٍ عاليةٍ من الحدّة، ومليئة بالتهديد والوعيد و"العقاب الشديد" كما وصفه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. الإجابة أن المدى لن يكون بعيداً، فحالة الصدام بين القيم والمصالح في السياسة الخارجية الغربية موضوع ليس جديداً. بمعنى أن الانتصار لحقوق الإنسان وحرية الصحافة و"العدالة لجمال" من الصعب لها أن تفوق بأهميتها لدى صناع القرار في الغرب المصالح المتمثلة بصفقات الأسلحة وسد العجز في الصادرات النفطية، الناتجة عن العقوبات على ايران. لم يُخفِ ترامب تحيزه لجانب المصالح، وربط مدى الرد الأميركي صراحة بعدم المساس بصفقات الأسلحة مع المملكة.
ساسة أميركيون كثيرون، ومنهم وزيرة الخارجية السابقة، كوندوليزا رايس، اعترفوا صراحة في السابق بأنهم اختاروا المصلحة والاستقرار على حساب القيم في العالم العربي، لكنهم لم ينالوا لا هذا ولا ذاك، فالحكم على الأمور إذاً ضمن المنظور التاريخي لها يفترض بأن الغرب سيتعامل مع الأزمة الحالية كمثيلاتها السابقة، وينحاز لجانب المصالح على حساب القيم، وبالتالي يكون الرد الغربي على فرضية الاغتيال باهتاً. ولكن هل ستشكل "حادثة جمال" سابقةً ينتصر بها الغرب للنظام الدولي، بقيمه وأعرافه التي تحرّم استباحة الصحافيين وإسكات صوتهم، حتى لو كان ذلك على حساب مصالحه الآنية؟ ليست السوابق في السياسة الخارجية الغربية منتشرة كثيراً، لكن الأيام القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة على هذا التساؤل.
72478755-BF4C-4404-BEA5-3BD4550BCDF4
72478755-BF4C-4404-BEA5-3BD4550BCDF4
إبراهيم فريحات

أكاديمي وباحث فلسطيني، رئيس برنامج إدارة النزاعات في معهد الدوحة للدراسات العليا.

إبراهيم فريحات