الكاميرات لا تسجل والسكاكين قاطعة

الكاميرات لا تسجل والسكاكين قاطعة

11 أكتوبر 2018

على سطح القنصلية السعودية في اسطنبول (4/10/2018/فرانس برس)

+ الخط -
جريمة القنصلية السعودية التي يرفرف فوقها علم السيفين، بلون الجنّة الخضراء، وكلمة التوحيد، تتّصف بالبطر والإسراف والحماقة، وتشبه جرائم الكاوبوي الأميركي الذي يقتل ويمشي، وهو ينفخ على ماسورة مسدّسه. يحدو الأمل محبّي الضحية الشهيد، أن يكون مثل الحكيم رويان في قصة "الملك يونان والحكيم رويان"، والتي روتها الآنسة شهرزاد. في الحكاية، يعاني الملك يونان من البرص، ويسأل عن دواء، فيظهر الحكيم يونان، ويقدّم له وصفة طريفة، يُعالَج بها الملك، وهو يلعب بالصولجان، من غير أن يدخل غرفة العمليات الجراحية أو يقصد المشفى. وفي الصولجان كرة يقبض عليها في أثناء اللعب بالكريكت، فيسري في جلده الدواء، ويعود من الملعب، فيستحمّ، فيبرأ ويشفى. وزير الملك يونان قبيح المنظر، يحسد رويان ويحقد عليه، ويحذِّر الملك منه، لأنه من الإخوان المسلمين، وأنه يمكنه بالطريقة نفسها التي عالجه فيها أن يقتله، فيستسلم الملك يونان لدسائس وزيره، ويقتنع بها، ويحكم على الحكيم بالقتل، الحكاية تقول: "الظلم كامنٌ في النفس، القوة تظهره والعجز يخفيه". والظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ/ ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ. كما قال زهير بن أبي سلمى في معلقته. وكان ولي العهد، في أول صعوده الصاروخي على سلالم القوة، بدلاً من أن يقول: إنه لن يظلم أحداً، قال: إنه لن يرحم أحداً يعارضه في بناء السعودية الحديثة. يطلب الحكيم فرصةً أخيرةً يعدُّ فيها كتاباً فيه كل الأدوية، وكل الأسرار، فيه ثلاث ورقات، إذا فتح الملك الكتاب، فإن رأس الحكيم بعد القطع تتكلم، وتصف دواء أي داء.
وهكذا في اليوم الثالث من قتل الحكيم، يفتح الملك الكتاب، وكان رويان قد دهنه بالسمِّ، فيسري في الملك ويموت. وقد اقتبس الروائي الإيطالي، أمبيرتو إيكو، هذه القصة في رواية "اسم الوردة" التي نجحت نجاحاً كبيراً، وصوّرت فيلماً أخرجه الأميركي جان جاك أنو.
يبدو أنّ جريمة قتل جمال خاشقجي غير الجرائم المتسلسلة في الأرض المباركة، وكل أرضٍ فيها عدل مباركة، وأنَّ دمه يتكلم منذ أسبوع في الفضائيات والصحافة العالمية، ويصيح، وأنّ ورقات حياته فيها سمٌّ يسري الآن في جسم قاتليه، أخباراً في نشرات الفضاء الإخبارية، فقد كان لأثر قتله سمّ أكثر من سمّ آلاف الضحايا الذين اختفوا خارج القنصلية، في اليمن ومصر وسورية والسعودية المباركة.
كشف دم الشهيد صراع السلطة الأولى مع السلطة الرابعة الشهيدة، فاستنفر لها كل العالم بالسهر والغضب، وقد اختار القتلة تركيا مسرحاً للجريمة، ازدراءً لأحفاد العثمانيين، فقد بدّلت السعودية أعداءها في الخطب الدينية، من اليهود والنصارى، إلى الشيعة، ثم إلى الترك، فهم أولى بالعداوة. المملكة تأسست على عداوة الترك، بعد إطلاق لورانس العرب شرارة تأسيسها، إنها دولةٌ تأسست على يد جاسوسٍ عيونه زرقاء. العرق دسّاس.
صحيح أنّ متابعي خاشقجي أقل بكثير من سلمان العودة، لكن خاشقجي شخصيةٌ تلقى الإعجاب من التيارات الإسلامية والحداثية، ويكتب في صحف عالمية، مثل "واشنطن بوست"، كما أن خاشقجي غُدر به على أرض أجنبية، وفي قصته عناصر دولية وبوليسية مثيرة وعاطفية، فكان عريساً يعيش قصة حب جديدة، ويسعى إلى جنسية جديدة، وحياة جديدة، بعد أن فقد وطنه، وهو شخصيةٌ جذّابة الخطاب وودودة، سهلة الفهم. وكان قتله "خطأ كبيرا"، وعسى أن يكون دمه آخر الدماء. قال ولي العهد: "دخل القنصلية وغادر"، الصواب: غُدر.
تركيا مهدّدة بأن تخسر كرامتها، والركن الخامس من الإسلام، وتصير دولة مسلمة بأربعة أركان، ناقصاً منها ركن الحج. والسعودية ستبقى دولة مسلمة بركن واحد، هو الحج، الذي يدرُّ عليها دخلاً سياحياً وظلاً شرعياً. ما زال هناك أناس يحلمون بأن تكون السعودية قد عملت كاميرا خفية، وستظهر خاشقجي، من قبعة، وتقول: أسأتم الظن في دولة الشريعة العظيمة، فهي لا تقتل غدراً.
سمُّ كتاب رويان سيؤذيهم، حتى لو رشى الملك يونان الغربَ بقيادة المرأة الطائرة، أو صعود القمر.
683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."