ألتراس الأهلي يربك النظام

ألتراس الأهلي يربك النظام

11 أكتوبر 2018

مشجعون لنادي الأهلي في ستاد القاهرة (31/10/2017/ فرانس برس)

+ الخط -
بعد خمس سنوات من الانقلاب في 30/ 6، وفي أول تجمع كروي، بعدما أحكم النظام كامل قسوته وقبضته على كامل أوصال مصر، استطاعت جماهير النادي الأهلي، بدرسٍ لافتٍ جدا، أن تقول للنظام: (ده بُعْدك)، حتى وإن شيّدت أكثر من عشرين سجنا أو استعنت بألفي مرتضى أو شوبير أو غندور أو مدحت شلبي أو "شوال رز". بعد يومين من انطلاقة الألتراس، بدأ الارتباك واضحا على مؤسسات النظام الكروية والإعلامية، ابتداء من مكرم محمد أحمد وقراراته المتضاربة، إلى رد الفعل العصبي من مرتضى على مكرم، واعتباره ميتا من عشرين سنة، إلى غلق قناة بيرميدز، إلى إعلان تركي آل الشيخ اعتزاله الشعر (وهذه من فوائد المصائب بالطبع)، إلى اعتقالاتٍ في صفوف الألتراس، حتى انتهى الأمر بمنع مرتضى نفسه من الظهور في الإعلام، حتى تمر العاصفة على الأقل، وإن كنت أرى أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، فليس الأمر مجرد "غضبة كروية على شوال رز"، بل هذا هو الجزء الطافي فقط فوق جبل الثلج، وستكون الأيام المقبلة في تأمل ما حدث من هذه الآلاف في استاد رياضي. فهل انتقلت الثورة برمتها من الميادين إلى الملاعب، في أول فرصةٍ يسمح فيها النظام بفتح أبواب ملعب أمام الجماهير، وهل انتقلت الصلاحية من النخب البرجوازية التي هيمنت إعلاميا (بطريقة زخرفية فقط) على ثورة يناير، بعدما تم تدجينهم وتعليبهم وتوظيفهم (بأطماعهم) لصالح الثورة المضادة إلى (الناس العادية)؟، والذين كان لهم الفضل في الثورة بالفعل، ولم يكن لهم شرف حمل "سلطانية الإعلام والنخب التي تم جرّها وإفسادها".
هل انتقلت "الغضبة"، إن راعينا الموضوعية والبساطة، إلى هامش المشجعين والفقراء والبسطاء وأصحاب التكاسي، وغيرهم ممن يعانون يوميا في مواصلاتهم وأكلهم، بعدما صارت الأسعار جنونية، وأغلقت كل الطرقات والملاعب، وصار الموت تحت قضبان المترو أملا أخيرا.
هل انتقل الغضب من ميدان التحرير إلى الشارع بمعناه العريض. هل أدركت الآن السلطة أن رفْض الناس لها بات معلنا وغير موارب، وأن أسطورة استيعاب الشباب وتلميعهم "بالجِل" مساء في "مؤتمرات الدموع" في شرم الشيخ وغيرها باتت "لا تاكل مع الناس"، بل هي بمثابة فاصل ميلودرامي، فعلها حسن الإمام من نصف قرن. هل أدرك النظام الآن أن الخطر المقبل ليس له أي صلة بالثّوار أو الإخوان، بعد مصادرة كل أموالهم وسجنهم وقتلهم وتشريدهم خارج البلاد؟
هذا العصب الحي من الشعب والناس، لا هم الإخوان ولا الثّوار ولا المموَّلون من الخارج، بل هم نبض الناس وعصبها الحي النادر، بعدما وعوا الدرس.
في اعتقادي البسيط، أن يوم هتف جمهور الأهلي ضد تركي آل الشيخ لم يكن المقصود شتم تركي "بالذات"، أو لشخصه (على الرغم مما في شخصه وتصرّفاته من عدم فطنة وفهم لخصائص الشعب المصري تحت قشرته التي لا يفهمها المتنطعون)، بل كانت الشتائم توجيه صفعةٍ لآليات النظام وتصرفاته "الخيبانة جدا" التي توهمه باحتواء المؤسسات والوزارات والاتحادات والهيئات، حتى الملاعب.
كان الدرس بليغا وتلقائيا وقاسيا، ويدعو إلى التأمل، إن كانت هناك بقية عقل يرغب في التأمل. أما إن أصرّ النظام على اللعب ببقية الأراجوزات، مثل ميزو وزيدان وترتان وعلان، فتلك "عدة قديمة، أكلت عليها خمس سنوات وشربت، ولا تصلح إلا بأن تُباع في مسابك روض الفرج حديد خردة.