في دروس الربيع العربي.. مجدّداً

في دروس الربيع العربي.. مجدّداً

10 يناير 2018
+ الخط -
تحل الأسبوع الجاري الذكرى السابعة لاندلاع شرارة الربيع العربي التي انطلقت من تونس. ومثل كل مرة، يعاد طرح الأسئلة الحارقة نفسها بشأن أسباب فشل ثورات  الشعوب العربية أو تعثّرها، والتي تحوّل بعضها إلى حروب أهلية مدمرة؟ وهل لها علاقة باستفحال النزعة الاستبدادية المتجذّرة داخل الدول والمجتمعات العربية وغياب الثقافة الديمقراطية؟ وهل كان العالم العربي سيكون في وضع أفضل مما هو عليه اليوم، لو لم تقم تلك الثورات؟ أم أن الربيع العربي جاء قبل وقته؟ وهل فشلُ نسخته الأولى ما هو إلا تمهيد لولادة نسخته التالية؟
طبعاً، يمكن طرح ما لا ينتهي من الأسئلة المشروعة، كما يمكن تقديم ما لا ينتهي من الأجوبة السريعة والجاهزة التي تفسر أسباب الفشل الذي كان من نصيب تلك الثورات أو تبرّرها. وربما هناك من سيتهمنا بالتسرّع في الحكم عليها، إذ لا يمكن أن نتوهّم أن التغيير السياسي سيحدث في عام أو عامين أو عقد أو عقدين. لكن، هناك معطى أساسي لا يمكن تجاوزه، هو أن فشل ثورات "الربيع العربي" هو سر نجاح الثورات المضادّة، بما أن قوة هذه الثورات استمدّتها من ضعف القوى التي حملت شعار هذا الربيع، فتشتت قوى التغيير، وتنازعها وتفرّقها، هو نفسه عامل قوة الطرف الآخر.
وبعيدا عن كل الأجوبة السريعة والجاهزة، يجب التأكيد على طابع هذه الثورات العفوي الذي 
شكل أحد عناصر الخلل التي رافقتها منذ البدايات. كما يجب التأكيد على أنه ليست كل الثورات التي عرفتها البشرية على امتداد تاريخها حققت جميعها ما قامت من أجله. لذلك، لا يلغي الفشل الطابع الثوري عن هذه الثورات، حتى وإن وسمت بالفشل.
وانطلاقاً من الإقرار أولا بهذا الطابع الثوري لكل أشكال الحراك الشعبي الذي شهدته المنطقة العربية، يمكن الذهاب بعيدا في البحث عن أسباب هذا الفشل أو التعثر، بما أن بعضها ينبع من نسق البنيات السلطوية التي حكمت البلدان التي شهدت الربيع العربي. فكل الثورات التي شهدتها دول الربيع العربي اصطدمت، في أغلبها، بهياكل مستبدة، لا تريد التحول نحو دمقرطة المؤسسات وإدارة عملية التحوّل بذاتها. وبالعكس، أدت هذه الأنظمة دوراً تدميرياً، ليس في عرقلة عملية التحوّل والانتقال، وإنما في زجّ بلدانها في الفوضى والحروب المدمرة.
لذلك، إذا أردنا أن نفهم سبب وصول الحال إلى هذا الوضع البشع، أو التراجعات الكبيرة، ومعرفة الدروس التي ينبغي تعلّمها، يجب أيضا مساءلة القوى السياسية التي لعبت أدوارا مهمة داخل هذه الثورات، وتَقييم تجاربها ومساهماتها، سواء في الثورة أو في الحكم الذي يختلف من دولة إلى أخرى، خصوصا القوتين الكبيرتين، الإسلاميين واليساريين.
يجب طرح السؤال بشجاعة عن مدى مساهمة هذه القوى في تعثّر التحول الديمقراطي، وهو تساؤل له راهنيته، بالنظر إلى التحولات التي عرفتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، والتي أوصلت التيارات الإسلامية إلى الحكم لأول مرة في تاريخها، وأعادت الوهج للحركات اليسارية التي كانت تمر بمرحلة موت إكلينيكي بطيء.
وبالنظر إلى أداء هذين الفصيلين، فإنهما لم يكونا على مستوى التوقعات، حيث تمت إطاحة 
حكم الإسلاميين، والإجهاز على تجربتهم في مصر، وعانوا الأمرّين في تونس، وصادفوا مصاعب جمة في المغرب. وفي المقابل، تم تهميش التيارات الليبرالية والعلمانية واليسارية، بعد أن فقدت كثيرا من مصداقيتها، بسبب وقوف بعضها مع الثورات المضادّة، أو تزكيته لها.
لقد أظهرت دروس "الربيع العربي" كثيرا من عيوب الأحزاب والتنظيمات الإسلامية واليسارية، لكنها في المقابل أحدثت تحولا أيديولوجيا كبيرا عند بعض الحركات الإسلامية التي كانت تتبنّى فكرة إنشاء دولة إسلامية، فأصبحت تدافع عن فكرة الدولة المدنية. وفي المقابل، دفعت قوى يسارية إلى الانفتاح على التيارات الإسلامية ومحاورتها.
وأخيرا، حتى وإن لم تكن ثورات الربيع العربي قادرة على تحقيق ما قامت من أجله، بفعل القمع الوحشي الذي واجهها من أنظمة الاستبداد، فإنها، من جهة أخرى، فتحت الطريق إلى مستقبل مختلف لبلداننا. ومازال ضروريا أن ننتظر وقتاً معيّناً قبل تحديد طبيعة ذلك المستقبل. ذلك أننا ما زلنا في هذه اللحظة، ونحن على أهبّة إقفال العام السادس لقيام هذه الثورات، في قلب المعركة.
وعلى الرغم من كل ما نشهده من حروب وحروب أهلية وتدخلات خارجية من جميع الجهات والاتجاهات، فالأكيد أنه لن يعود هناك مستقبل في بلداننا لأنظمة الاستبداد، بأسمائها وصيغها القديمة المختلفة. ويجب أن ننتظر إلى أن تسكت المدافع، وتتوقف الحروب، وأن تهدأ الشوارع، وتخفت أصوات المتظاهرين، لتبدأ القوى المعنيّة بالتغيير باستعادة أنفاسها والارتقاء بوعيها ووضع برامج طويلة النفس للنضال الديمقراطي السلمي، يهدف إلى بناء مشروع وطني ديمقراطي مشترك، قائم على التعددية والتنوع في دولةٍ مدنيةٍ حديثة، تقوم على الفصل الواضح بين الدين والدولة، وإعطاء لكل منهما الدور الذي يعود له داخل المجتمع.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).