هل جاء دور إيران؟

هل جاء دور إيران؟

09 يناير 2018
+ الخط -
التفت العالم، في الأيام الأخيرة، إلى إيران، بعد أن توسعت المسيرات الاحتجاجية في عدد من المدن المهمة، خصوصا طهران ومشهد مسقط رأس آية الله خامنئي. وعلى الرغم من لجوء الأجهزة الأمنية إلى استعراض قوتها، إلا أن الاحتجاجات استمرت، حتى تساءل الجميع: ماذا يجري في إيران؟
تلفت الانتباه أعمار المتظاهرين وانتماءاتهم الاجتماعية. شباب غاضب ينحدر في أغلبيته من أسر العمال والفئات الفقيرة، إلى جانب أبناء الطبقة الوسطى الذين التحقوا بالحركة الاحتجاجية عندما صمدت وتوسعت. وكانت تلك أول رسالةٍ قويةٍ تلقاها النظام. إذ تعتبر كلمة "المستضعفين" من بين أهم المصطلحات التي صكّتها الثورة الإيرانية، والتي لاقت رواجا واسعا خارج إيران. والمستضعفون هم الفقراء الذين همّشهم نظام الشاه، وحولتهم سياساته إلى قوة ثورية ضاربة، فكانت نتيجة ذلك الصمود المدهش والتاريخي تغيير موازين القوى، على الرغم من قتل الآلاف من المدنيين العزّل، وإقامة نظام جديد.
نزل أبناء هؤلاء المستضعفين وأحفادهم، أخيرا، إلى الشوارع بعد 39 عاما من الثورة، للقول إن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية لم تتحسّن. وهذا مؤلم ومشروع، ما جعل أصواتا ترتفع من داخل الحكم تبدي تفهمها هذه الاحتجاجات، وتطالب، كما فعل الرئيس حسن روحاني، بتمكين هؤلاء المحتجين من مزاولة حقهم في التعبير.
صحيح أن بعض الشعارات التي رفعت تدين الطبقة السياسية الحاكمة، بشقيها المحافظ والإصلاحي، لكن البعد الاقتصادي والاجتماعي بقي الطاغي على الحراك الاحتجاجي. ولهذا لم يكن النظام موفقا، عندما فسر ما حصل بمحاولة الخارج زعزعة الحكم وتغيير السلطة. لم يكن هذا التفسير موفقا، ولن يساعد على فهم الأسباب الحقيقة التي أدت إلى نزول هذا العدد الهائل من الشباب إلى الشوارع، وهم يعلمون أن ردود الفعل قد تكون قوية ودموية. ما حصل كان ظاهرة داخلية عميقة، وليست عملية خارجية قادتها أجهزة مخابرات أجنبية، كما يراد تصويرها.
مع ذلك، كان العدو التاريخي للثورة الإيرانية، ممثلا في الولايات المتحدة الأميركية، موجودا في خلفية المشهد، فقد بذلت إدارة الرئيس دونالد ترامب جهودا ضخمة، من أجل تجيير الحراك الاحتجاجي لمصلحتها، حينما تعمدت الدخول على الخط، وقامت بتحريض المتظاهرين علنا، وحاولت أن تعطي صورة أن النظام الإيراني يواجه ثورةً شعبية، وأنه مهدد بالسقوط، ما يستوجب تدخل المجتمع الدولي لمساندة هذه التحرّكات. كما حاولت استصدار قرار من مجلس الأمن ضد طهران، لكن الدبلوماسية الأميركية منيت بالفشل، حين رفض بقية أعضاء المجلس الانسياق وراء ترامب، واعتبروا ما يجري في إيران شأنا داخليا، وهو ما عمّق العزلة الدولية لواشنطن.
يؤكد هذا الاشتباك الأميركي الإيراني، بوضوح، أن شيئا ما يعد في الخفاء ضد استقرار هذا البلد المحوري والأساسي في منطقة الشرق الأوسط. وهذا ما تسعى إليه إسرائيل منذ زمن بعيد. كما أن من شأن الخلاف الإيراني الصريح مع دول الخليج، وتحديدا مع السعودية والإمارات، والذي احتد أخيرا على أكثر من واجهة أن يزيد من توسيع الجبهة المعادية لطهران. خصوصا أن الأخيرة تبنت، منذ انهيار نظام صدّام حسين، سياسة اختراق إقليمي واسعة النطاق، ومتعددة المستويات، سياسية واقتصادية وعسكرية. أصبحت إيران لاعبا أساسيا في منطقة الشرق الأوسط، لا يمكن شطبه بسهولة.
تواجه الطبقة السياسية الحاكمة في إيران حزمة من التحدّيات الصعبة، وهو ما يجب إدراكه جيدا. وأول هذه التحديات، وأكثرها جدية ومشروعية، هو العمل بأسرع وقت على سد الفجوة بين الشعب والنظام. ولن يتحقق ذلك إلا بتوسيع دائرة الحريات، وتعديل منظومة الحكم، والعمل على إعادة توزيع الثروة بشكل عادل، من شأنه أن يقلص الفجوة بين الطبقات والفئات والمناطق.
على الصعيد الإقليمي، لا تكمن مصلحة الشعب الإيراني في مزيد من التوسع والاختراق، وإنما في العمل على سد الثغرات التي تعطي تبريراتٍ للقوى الدولية للتدخل، والعمل على إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية، بما في ذلك إيجاد بؤر التوتر داخل إيران وحولها. الحكمة تكمن في تقليص الأعداء، لا في الإكثار منهم.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس