قافلة بقيادة كلب

قافلة بقيادة كلب

09 يناير 2018
+ الخط -
سندع الجمل الذي اكتشف خدعة اقتياده من كلب القافلة الضخمة جانبًا، خصوصًا وأن اكتشافه جاء متأخرًا للغاية، فمثل هذه القضية لم تعد تعنينا كثيرًا.
صحيحٌ أن تململ الجمل لفت الانتباه قليلاً. ولكن كان عليه أن يعرف، منذ البداية، أنه مشدودٌ بحبلٍ هو وأقرانه الجمال، بمن فيهم "الجمل الأول"، من أعناقهم إلى ذلك الكلب الضئيل الذي لا يعادل عشر أحجامهم.
في المقابل، ثمّة قضية أبلغ، ينبغي أن نوجّه الاهتمام إليها، خصوصًا وأنها لفتت انتباهنا جميعًا، وأعني بها حكاية "تململ" مرشّح الرئاسة المصرية، أحمد شفيق، الذي اكتشف متأخرًا، أنه كان "محتجزًا" من السلطات الإماراتية، عندما قرّر أن يخوض انتخابات الرئاسة المصرية، منافسًا المرشح الأول، عبد الفتاح السيسي، وما إن أعلن عن رغبته، حتى تم احتجازه، ومنع من العودة إلى القاهرة، وبقية القصة معروفة، يوم عبّر عن تململه من هذا الاحتجاز على قناة الجزيرة، فما كان من سلطات الإمارات إلا أن أعادته مطرودًا إلى القاهرة.
لكن يبدو أن القضية لم تعد ذات قيمة الآن، فقد طغت عليها قضية "الجمل" إيّاه ثانية، الذي رأى أنه أحق من الجمل "الأول"، ليكون في مقدّمة "الركب"، لكن المسكين فاته ما حدث للجمل الذي كان يحتل المرتبة الثانية، فعليًا، حين واتاه "الطمع" ذاته بأن يكون "الجمل الأول"، فكان أن تم طرده خارج القافلة كلها، من الكلب نفسه.
لا يهم، فالمعضلة الأكبر لصاحبنا شفيق الذي يستحق الشفقة، حقًا، هو ما دبر له في القاهرة من مكائد، لثنيه عن هذا الطموح الذي يلامس خطوطًا فوق حمراء بالنسبة للمرشح الأول، عبد الفتاح السيسي الذي جاء على رأس انقلاب عسكري، ليبقى رئيسًا إلى يوم القيامة، بدليل أنه قدّم قربانًا فادحًا لآلهة الاستبداد، قوامه آلاف الضحايا من أبناء شعبه، في ميادين الاعتصام والاحتجاج، ومن ثم فهو لن يفرّط بهذا "المكسب" ألبتة، حتى لو أكمل دائرة الضحايا بالشعب كله.
وقد فات المشفوق عليه شفيق، ما حدث لزميل آخر، كان لديه مثل هذا الطموح، وأعني محمد مصطفى البرادعي، الذي تم إقصاؤه من المشهد السياسي كله، عندما أعلن احتجاجه على فض الاعتصام في ميدان رابعة العدوية بالقوة، ويقال إنه غادر مصر أيضًا بعدما شعر أن حياته باتت مهدّدة.
على هذا، لن يكون مستغربًا أن تلصق بشفيق تهم كيدية تسقط صلاحيته للترشّح، بدليل أنه يواجه الآن عشرات البلاغات التي تنهال على مكتب النائب العام، ومنها ما هو كفيل بحجبه داخل السجون إلى الأبد.
غير أن المعضلة الأهم بالنسبة لشفيق والبرادعي والسيسي، ومن لف لفهم من رجالات الصفوف المتقدّمة، أنهم جميعًا لا يمتلكون قرار بقائهم على رأس الحكم من عدمه، رؤساء كانوا أو مرشحين للرئاسة، لأن الرئيس الحالي نفسه لم يصل إلى هذا المنصب بجدارته أو لأحقيته، بل لأن دولة خليجية صغيرة، بطموحات إمبريالية، ارتأت ذات "هجعة" أن ثورات الربيع العربي خطر على أنظمة الاستبداد في المنطقة، فابتاعت ولاء جنرال مصري للانقضاض على ثورة الربيع في تلك البلاد، ولسان حالها يقول إن فشل هذه الثورة تحديدًا، في أم الدنيا، يكفل إفشال سائر مشاريع الثورات العربية الأخرى. وبالفعل، ارتضى هذا الجنرال أن يجعل من "أم الدنيا" تابعًا لقرارات هذه الدولة، بفضل "الرز" الذي طمره حتى آخر نيشان يحمله.
وبالنسبة للجمل "الثاني" الذي تململ على ترتيبه، فهو قد ينجح بإزاحة الجمل الأول، والحلول مكانه، وقد ينجح غيره أيضًا، لكنه نجاحٌ لن يغير من مسار قافلةٍ ارتضت أن يقودها كلب بطموحات "إمبريالية".
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.