إيران والاحتواء الأميركي

إيران والاحتواء الأميركي

09 يناير 2018
+ الخط -
قدمت، في عام 2001 وقبل تفجيرات 11 سبتمبر، لجنة مختصة بدراسة تفاصيل دول الشرق الأوسط عدة توصيات (أو قرارات) إلى الرئيس الأميركي، جورج بوش، منها أن التغيير في العراق يجب أن يكون عسكريا، وفي إيران يجب أن يكون من الداخل. وفي 2015، عندما وقّع الرئيس، باراك أوباما، اتفاقا نوويا مع إيران، ومعه الدول الخمس الكبرى، نشرت تفاصيل مطولة عن سياسة احتواء إيران التي رآها أوباما الأفضل في عملية مواجهة خطر إيران في المنطقة. ومع الإعلان عن تفاصيل الاتفاق، كانت إيران تتمدّد في الشرق الأوسط، فمن العراق إلى سورية واليمن وقبلها لبنان، وحتى إلى إفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا، كانت الأذرع الإيرانية موجودة.
تعود فكرة استراتيجية احتواء إيران إلى 2012، عندما دافع محلل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق، كينيث بولاك، في كتابه عن استراتيجية "احتواء" إيران بديلا عن المواجهة العسكرية. وتنبع أهمية الكتاب من لقاءات بولاك بمسؤولين سابقين وبارزين أميركيين، وخبراء في الشؤون الإيرانية في 2012 في معهد بروكينجز، خلال المشاركة في محاكاة الأزمة الأميركية - الإيرانية.
ويبدو أن الولايات المتحدة اقتنعت بهذه الاستراتيجية في مواجهة إيران التوسّعية، ما يفسر، إلى حد كبير، هذا السماح الأميركي لإيران بالتغلغل في الشرق الأوسط، ففي العراق، مثلا، كانت الولايات المتحدة الراعية الكبرى لإيران، ولعل متابعة سير المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وكيف أن الولايات المتحدة لم تدّخر جهدا في السماح لإيران بالتمدّد، من خلال أذرعها المليشياوية، وأيضا في سورية، تجيب على تساؤلات كثيرة بشأن الأسباب التي سمحت بموجبها أميركا لإيران بالتمدّد.

وقبل نحو أسبوعين، ذكرت تقارير صحافية أن واشنطن منعت إسرائيل من تنفيذ عملية لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في سورية، وهو أمر لافت للانتباه، فسليماني على لائحة الإرهاب الأميركية، وكان يتجول في ساحات القتال في العراق وسورية، والطيران الأميركي كان يغطي تحركاته، لكنه لم يحاول اغتيال سليماني، وكان في وسعه أن يفعل. وفي سورية، كان الطيران الإسرائيلي يمشّط الأراضي السورية ليل نهار، بل نفذ عشرات الضربات على أهداف منتخبة، من دون أن يقدم، هو الآخر، على توجيه ضربةٍ مميتةٍ لسليماني، ولعل ما نشر أخيرا يجيب عن هذه التساؤلات.
ويبدو أن الولايات المتحدة كانت تدرك جيدا أن هذا التوسع الايراني يعني، فيما يعنيه، جلب مشكلات داخلية لإيران، لن تكون قادرة على مواجهتها، فبعد سنواتٍ من العقوبات الاقتصادية، جاء الاتفاق النووي مع إيران عام 2015 ليمنحها فرصة استرداد أكثر من 150 مليار دولار من أموالها المجمدة. وبدلا من توجيه تلك الأموال إلى المواطن الإيراني الذي خرج في مسيرات فرح، عقب توقيع الاتفاق النووي، ذهبت جل تلك الأموال إلى جيوب مقاتلي إيران في دول المنطقة، وأيضا على مشاريع إيران التوسعية.
وقد صبر المواطن الإيراني عامين ونصف العام، وهو ينتظر أن تهطل عليه أموال بلاده التي لم تعد تعاني من عقوبات اقتصادية، ولم تعد تقاتل ضد تنظيم داعش، بعد القضاء عليه في العراق وسورية، غير أن شيئا من ذلك لم يحصل، بل أفادت التسريبات لموازنة 2018 بأن الإنفاق على مليشيات إيران الخارجية زاد، وأن الإنفاق على الحرس الثوري وصل إلى ثمانية مليارات دولار، ناهيك عن المؤسسات الدينية الإيرانية في الداخل والخارج التي زادت عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل عامين. وفي المقابل، وصلت نسب البطالة إلى 60% في بعض المدن، وفقا لإحصائيات رسمية. كما أن في التسريبات عن موازنة 2018 رفع دعم السلع الأساسية والمحروقات. ناهيك عن عدم دخول الشركات الأجنبية السوق الإيرانية، على الرغم من رفع العقوبات، بسبب تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والتي هدّد فيها بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران، معتبرا إياه أسوأ اتفاق وقعته أميركا.
وصل النظام في إيران إلى لحظة المواجهة مع الشعب الذي بات يرى أن تدخل نظام بلاده في شؤون دول الجوار كان على حسابه، ولم يعد قادرا على تحمل مزيدٍ من شظف العيش وسوء توزيع الثروة. وربما تكون وتيرة التظاهرات الاحتجاجية التي انطلقت في 26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي قد خفت، إلا أنها دقّت أول مسمار في نعش النظام الإيراني، وبالتالي صار مطلوبا منه إما كفّ يده عن مشاريعه التوسعية في الخارج، وتوجيه أمواله لتحسين ظروف معيشة المواطن الإيراني، أو الاستمرار في سياسته الخارجية، وما قد يترتب عليه من مواجهة مع الشعب، قد لا تكون بعيدة.
كسرت تظاهرات إيران قدسية النظام لدى الشعب، ولم تعد هناك محرّمات. وبالتالي، فإن الخروج في تظاهرات أوسع وأكبر لا تنادي بالإصلاحات الاقتصادية وحسب، وإنما حتى بإسقاط النظام كله، لن تكون بعيدة.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...