احتجاجات إيران: لا إجابات

احتجاجات إيران: لا إجابات

07 يناير 2018

شبان إيرانيون يحتجون في طهران ضد الحكومة (30/12/2017/الأناضول)

+ الخط -
شكلت الاحتجاجات في إيران مفاجأة لجميع المتابعين، بعدما اندلعت من دون مقدماتٍ تدعو إلى الالتفات نحو الداخل الإيراني المغلق. كان الجميع يستبعد أي تحرّكات شعبية إيرانية، وخصوصا بعد توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، وبدء الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمّدة في الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة، غير أن التوقعات لم تتطابق مع واقع حال المواطن الإيراني الذي يرزح تحت خط الفقر، والذي لم تصل إليه عائدات النفط أو الأموال المفرج عنها، بل رآها تذهب في اتجاهات مختلفة، من اليمن إلى سورية ولبنان وغيرها من البقع التي تسعى الجمهورية الإسلامية إلى التمدّد فيها.
تكاد هذه الرؤية تكون في مقالات كثيرة تناولت الاحتجاجات الإيرانية، غير أن الجميع تقريبا يقف عندها، ثم لا إجابات شافية لأسئلة كثيرة بشأن الحركة الشعبية ومداها وأثرها، وإلى أين يمكن أن تؤدي؟ أسئلة مثل هذه، وغيرها كثيرة، تقبع خلف الستار الحديدي الذي فرضه النظام الإيراني على كل المعلومات التي يمكن أن تخرج من الداخل. ستار يشبه، إلى حد كبير، ما تفرضه كوريا الشمالية على مواطنيها، فلا إعلام مستقلا في الداخل، ولا شبكات للتواصل الاجتماعي، وحتى الاتصالات باتت مقتصرة على الحد الأدنى.
يجعل هذا الستار محاولة الحصول على معلومة أكثر من معقدة، ويبقي كل ما يتم تداوله في إطار التحليلات والأمنيات التي يحملها كثيرون مؤيدون ومعارضون لإيران، فالمؤيدون يتمنون أن تكون الاحتجاجات موجة استياء عابرة من فئات اجتماعية ستتمكن السلطات من قمعها أو احتوائها، فيما يتمنى المعارضون أن تكون بذرة تغيير في الداخل الإيراني، سيكون لها انعكاساتها على كامل المنطقة، حيث يتمدّد نفوذ الجمهورية الإسلامية التي رفعت راية تصدير الثورة. ولا يملك الطرفان إجابات صريحة عن واقع الحال، على غرار من يقف خلف هذه التظاهرات، وهل هي حركات عفوية تنقلت بين مدينة وأخرى، وأي مطالب يرفعها المتظاهرون، وهل إسقاط النظام هو ما يريدون أم مجرد إصلاحات معيشية؟ هذه عينة من الأسئلة التي لا يمكن لأحد الإجابة عنها، إذ ربما حتى السلطات الإيرانية نفسها جاهلة طبيعة الحراك الشعبي، وإن كانت استحضرت له تهم المؤامرة والأعداء الخارجيين الذي يريدون السوء بالجمهورية الإسلامية، لكنها لم تستطع أن تحدّد طرفا بعينه.
قد يسعى كثيرون إلى تبنّي الحالة الاحتجاجية، ومنصات عدة تطلق على نفسها اسم "المعارضة الإيرانية" ستعمل على أن تكون صوتا للمتظاهرين، غير أنها ستكون وهمية، فلا إطار جامعا لهؤلاء إلا اشتداد الخناق عليهم، ولا تنظيم ناظما للتظاهرات ومواقيتها إلا الظروف التي يعيشها أفرادها، وهو ما يجعل من الحالة الاحتجاجية الجديدة في إيران ربما الأهم منذ الثورة الإسلامية في عام 1979، حتى ولو كانت مآلاتها لن تصل إلى ما وصلت إليه هذه الثورة.
وفِي ظل الغموض الذي يعتري الوضع في إيران، وفِي وقت لا يعلم أحد إلى أين قد تمضي الأمور، يمكن استنباط إجابة واحدة، وهي أن النظام لا يملك الحل السحري لمشكلات المواطنين، ولا أيديولوجيا يمكن أن تقدم نفسها باعتبارها حال الخلاص، فالتغيير هو سنّة التاريخ، ولا بد أن تمضي قدماً، وربما جاء الدور على إيران.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".