نكتة محمد الجوادي الدموية

نكتة محمد الجوادي الدموية

06 يناير 2018

محمد الجوادي.. نافق مبارك ويلقب نفسه "أبو التاريخ"

+ الخط -
ليس غريباً أن يُطلق الدكتور محمد الجوادي، الذي يُلقب نفسه بـ"أبوالتاريخ"، قصصاً ملفقة تثير السخرية، فلدى الرجل سجل طويل حافل بها، يمتد من عبارته التخديرية الشهيرة "الانقلاب يترنح"، ومروراً بروايته وقت تولي الملك سلمان حكم السعودية أنه "أجهش بالبكاء وقال ظلمنا مرسي" وكرّرها ثلاثاً، ونهاية بأن قرار منع جنازة مرشد الإخوان المسلمين السابق، مهدي عاكف، صدر قبل سنة لأن "تقديرات أميركية علمية توقعت مشاركة 5 ملايين"!
لا يستحق من يلقب نفسه بـ"أبوالتاريخ" أي تعامل جاد، وجولة سريعة في موقعه الشخصي الذي يحمل هذا اللقب كافية لمشاهدة صور هزلية لإنجازات وهمية، وذات متضخمة، إلى حد إبرازه قصيدة قيلت في مدحه. ولكن أن يتحول حديثه إلى تحريض طائفي على الطريقة "الداعشية"، فهذا مما لا يثير الضحك مطلقاً.
بعد يومين من الهجوم على كنيسة حلوان، كتب "أبوالتاريخ" أنه يوجد لدى الكنيسة القبطية "في سراديب الأسلحة عتاد حربي يفوق عتاد المنطقة المركزية والجيش الثاني معا، في أقبية الذهب رصيد يفوق 3 أضعاف رصيد البنك المركزي، في خزائن الدولارات احتياطي يبلغ ضعفي احتياطي الدولة".
كان جانب كبير من التعليقات سخريةً من هذا الخيال الواسع، ولو بمعايير استحالة وجود المساحة التي تتطلبها أقبية الذهب وسراديب الأسلحة وخزائن الدولارات المليارية، لكن المشكلة أن هذا الخطاب هو ما يحرّك "داعش" مصر حالياً، حرفياً لا مجازاً. ففي فبراير/ شباط الماضي، أصدر التنظيم إصدار "وقاتلوا المشركين كافة"، وأعلن فيه عملياً بداية حربه الدامية على الأقباط المصريين، وظهرت فيه وصية منذ عملية التفجير في الكنيسة البطرسية في ديسمبر/ كانون الأول 2016. وكان لافتا للغاية أن الفتاوى الدينية، ومنها تفاصيل العهدة العمرية، تم عرضها بمساحة محدودة، بينما كان غالبية المحتوى يسرد أسباباً سياسية واقتصادية وهمية.
ركّز الإصدار على أن لدى الأقباط أموالا هائلة، حتى أنهم يملكون 40% من الاقتصاد المصري، ونقل هذه المعلومة عن دراسة في "مجلة اقتصادية غربية" لم يذكرها، مع عرض صور رجال أعمال أقباط، مثل آل ساويرس. وفي مقطع آخر يقول إنهم أتقنوا ادعاء المظلومية، على الرغم من "وجودهم الطاغوتي داخل النظام المصري"، وبعدها عرض للأقباط أعضاء مجلس النواب والقضاة، فضلاً عن العلامات التجارية لشركات مثل أورانج، أوراسكوم، بشاي للصلب، غبور أوتو.
وتعمّد الإصدار أيضاً اختيار مقاطع من تصريحات قبطية متطرفة، أو مجتزأة من سياقها، ليُظهر وجود خطة لديهم لإعلان الحرب على المسلمين، كالتركيز على هتاف "انسى القبطي بتاع زمان، بكرة هنضرب في المليان"، كما ركّز على علاقة الكنيسة بالدول الغربية، وأنها أصبحت "رأس حربة للمشروع الصليبي في مصر".
ليس هذا الخطاب وليد المصادفة، بل بناء على رؤية محددة ظهرت في كتاباتٍ مُنظرين تابعين للتنظيم، مثل أبوالمودود الهرماسي وغيره، عن محاولة استنساخ الحالة العراقية والسورية في مصر بإثارة الحرب الأهلية بين المسلمين والمسيحيين على طريقة السنة والشيعة، هذه هي أجواء "إدارة التوحش" التي يبرع "داعش" في استغلالها.

خلال عام واحد، قُتل مئات المسيحيين المصريين في مذابح دموية، وُهجّر آلاف الأقباط من سيناء في أكبر موجة نزوح منذ الحرب. رعب أكبر حملته عملية حلوان، على الرغم من أنها أقل في إمكاناتها وضحاياها، فالمُنفذ معدوم الخبرة، مجرد عامل في محل بسيط في المنطقة، يبدو أنه تأثر حديثاً بدعاية التنظيم. هذا يوسع دائرة الخطر بما لا يقاس.
في هذه الأجواء، حين يكتب الجوادي "معلومات" كهذه، ويدعم تصورات معلقين كثيرين مؤيدين كلامه، فماذا يمنع أن يتحول، ولو واحد منهم، إلى خانة الفعل؟ في بلاد كثيرة، كان الجوادي سيذهب إلى السجن رأساً بتهم "خطاب الكراهية"، أما لدينا فمازالت تُفتح له قنوات ومواقع.
لذلك ليس بيدنا سوى الاستمرار بفضح تاريخ "أبوالتاريخ"، الممتد من نفاقه لحسني مبارك في العام 2002 في كتابه "النخبة المصرية الحاكمة"، وحصوله على جائزة الدولة التقديرية في الآداب في العام التالي، إلى نفاقه اليوم "لمعسكر الشرعية". وليس غريباً على من وصل إلى تخصيص فصل كامل لشرح سمات مبارك العشر، ومنها "البدء بالإحسان، وغفران الإساءة، والروح المرحة، وتقدير الرجال" أن يروج المخدرات الفكرية، لكن الغريب أن هناك من يشتري.