حكم الأزرار

حكم الأزرار

05 يناير 2018
+ الخط -
لم يكن أحد ليتوقع أن السجال الذي شهدناه قبل أيّام بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والزعيم الكوري الشمالي، كيم كونغ أون، هو جزء من الخطاب السياسي الدولي الذي يحكم العالم، ويضعه على فوهة حربٍ نووية، طالما أن الأزرار النووية والتعاطي معها يكون بهذه البساطة، وبمقاييس الكبر والقوة. وإذا كان لا أحد يأخذ كلام الزعيم الكوري الشمالي على محمل الجد، أو لا يمكن قياسه بأي معايير دبلوماسية، إلا أن الأمر لا يمكن أن يكون في المستوى نفسه مع الرئيس الأميركي  الذي يفترض أنه رئيس أكبر دولة، ويحيط بِه مستشارون وجنرالات كثيرون يفترض أن يقيسوا كل كلمة تخرج عن رئيس الولايات المتحدة، باعتبار أن أصداءها ستتردد في العالم، تحليلا وتفاعلا.
هذا لا يحدث في حال دونالد ترامب، والذي بات من الواضح أنه يحيط نفسه بمستشارين من طينته، وتصريحاته لا تمر عبر فلاتر سياسية، مادام يحمل هاتفه بيده، ويغرّد أينما وكيفما شاء. هذه باتت قناعة راسخة منذ ما قبل التغريدة التي رد فيها أخيرا على تهديد كيم جونغ أون، على الرغم من أن الأخير مرّر كلامه ضمن مبادرة سياسية لم يتلقفها ترامب، بل تعاطى معها بمنطق طفولي، يذكر بما يتنابذ له الأطفال في سجالاتهم في الأحياء والمدارس.
"لدي زر أكبر من زرك وأقوى ويعمل"، تغريدة ترامب هذه جاءت ردا على ما قاله كيم من أن لديه زرا نوويا على مكتبه. وبغض النظر عن صحة ما قاله الزعيم الكوري الشمالي، باعتبار أن لا أحد يعرف ماذا يحدث في هذه الدولة الشيوعية، إلا أن ما قاله ترامب ليس صحيحا، وقرار إطلاق السلاح النووي ليس بيد الرئيس الأميركي، بل هو قرار معقد، يشارك فيه جنرالات رفيعو المستوى في الجيش الأميركي، وحتى إنه يحق لهم رفض طلب الرئيس، في حال رأوْا أن الوضع لا يستدعي هذا الإجراء. غير أن هذا كله لم يخطر في بال ترامب، وهو يكتب تغريدته، وربما هو غير مقتنع إلى الآن بأن هناك معايير دستورية تحكم أي إجراء يريد اللجوء إليه، لذا هو يلجأ إلى "تويتر" للتفريغ عن مكنوناته.
وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها تغريدات ترامب هذا الكم من ردود الفعل بين الناشطين والسياسيين والمتابعين، غير أنها المرة الثانية في أقل من أسبوع، بعد تغريدةٍ سابقة، تحدث فيها عن الطقس باعتباره مؤشرا إلى أن التغييرات المناخية هي لتبرير الانسحاب الأميركي من اتفاق باريس للمناخ. فالرئيس الأميركي أشار إلى موجة الصقيع التي تضرب الولايات المتحدة، ووصلت إلى جنوبها، باعتبارها دليلا على عدم صحة نظرية الاحتباس الحراري. توقفت ردود الفعل الأساسية بشأن هذه التغريدة عن أن الرئيس الأميركي غير مدرك الفرق بين الطقس والمناخ، وأن المفهومين مختلفان كليا، ولا ارتباط بينهما.
ويكشف ترامب، هنا أيضا، عن الفهم الطفولي الذي يدير به العالم. وإذا لم يكن هذا كافيا، يمكن النظر الى تغريدته الخاصة بقطع المعونات الأميركية عن باكستان والسلطة الوطنية الفلسطينية. وإذا كان ربط وقف الدفع للفلسطينيين بالعودة إلى مفاوضات التسوية، فإن ذريعته في ما يخص باكستان أن الولايات المتحدة تدفع لهم ملايين الدولارات، فيما هم يشتمونها. هذا المعيار بالنسبة لترامب كاف للتخلي عن الشراكة مع إسلام أباد في الحرب ضد حركة طالبان، وتأمين الأسلحة النووية التي تملكها باكستان، وضمان عدم وصولها إلى أيدي الجماعات المتطرّفة.
هو حكم الأزرار، لكن ليس النووية، بل أزرار هاتف ترامب وتغريداته التي تخرج إلى العالم بدون حسيب ورقيب، وتشغل العالم، وحتى بعض أركان إدارته الذين يجدون أنفسهم مضطرين للدفاع عن سياسةٍ طفوليةٍ يدير بها ترامب العالم.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".