ثلاثيّتي للعام المنصرم

ثلاثيّتي للعام المنصرم

04 يناير 2018
+ الخط -
كل عام وأنتم بخير.. على سبيل الأمل، والتفاؤل غير المشروط، بعام أفضل مما سبقه للبشرية كلها. وكل عام والكتابة بخير، لا باعتبارها وسيلة للتعبير وحسب، ولكن أيضاً باعتبارها الدواء وموئل الشفاء من أمراض البشر ودواعي القهر، فبواسطتها نعبر محطات الزمن، محتفظين بحقائبنا المليئة بالأحداث والقضايا والمواقف التي تتراكم فيها محطةً بعد محطة، فلا نستطيع التخلص من سيئها، ولا الاحتفاظ بجيدها من غير فرز.. ويحدث عادة أن نتخذ من نهايات العام وبداياته مناسبةً لمثل هذا الفرز. وهذا ما أنوي فعله الآن في بقية هذا المقال.
على الرغم من ازدحام السنة المنصرمة (2017) بأحداث عديدة، يمكن اعتبارها في قائمة أهم ما حدث لنا، نحن العرب، إلا أنني سأختار ثلاثة أحداث لأتحدث عنها قليلاً على سبيل الرصد والتنويه والتذكير و.. الفرز المعتاد.
لا أدّعي أنني اخترت هذه الأحداث وفقا لمعايير علمية موضوعية متفق عليها، بل أستطيع أن أقول إنها مجرد اختيار شخصي، اعتمدت فيه على ما أحدثته تلك من أثر في نفسي، ونفوس كثيرين حولي كما أظن. وها هي قائمتي الثلاثية الموجعة للعام المنصرم على سبيل الوداع له:
أولا، الأزمة الخليجية. على الرغم من أنها، بحسابات الجغرافيا، تكاد تكون أزمة إقليمية، لا تهم بالدرجة الأولى سوى دول (وشعوب) هذه المنطقة الصغيرة من العالم الكبير، إلا أنني أعتبرها أهم ما حدث فعلا، ليس على مستوى المفاجأة وعمقها، والتي تعدّت مستوى الصدمة بالنسبة لكل الخليجيين وحسب، ولكن أيضا وأولاً لأنها أحدثت شروخا عميقة في النسيج الاجتماعي الخليجي، بدرجةٍ غير مسبوقة على الإطلاق. أما التصدّعات السياسية فهي مما يمكن فهمه وتفهمه وتصوره وتوقعه واحتماله وانتظار نتائجه أيضا.
ثانيا، قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني، والعمل على تنفيذه، بالاستعداد لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وعلى الرغم من أن القرار غير جديد، بل يعتبر من كلاسيكيات الرئاسة الأميركية على صعيد علاقتها بإسرائيل، إلا أن جرأة ترامب في تنفيذ ذلك القرار الذي بقي نظريا دائما هي الجديد الذي لم يكن لولا تشرذم القرار العربي بشكل مكشوف، ووهنه المغري لكل عدو. ومع أن قراراً كهذا، بتداعياته السلبية والإيجابية عربياً وعالمياً، أهم بكثير في مستواه من حدث الأزمة الخليجية، إلا أنني وضعته في المرتبة الثانية، لأنه لم يكن مفاجئا لأحد إلا لجهة توقيته، فإذا ما ربطنا هذا التوقيت بشخصية ترامب، ذات البعد الإشكالي، والفانتازي أحيانا، تخلى عنصر المفاجأة من احتماله الأخير. واندرج الحدث في باب المتوقع فعلا، مع وجعه الشديد ومرارته التي لا تكاد تحتمل، وسوداويته القاتمة جدا. أما غير المتوقع، والذي أفرزه هذا الحدث، وربما أيضا الحدث السابق له، بشكل مفاجئ فعلا فهو ما اخترت أن أدرجه في ختام هذه القائمة بعنوان: سقوط النخب.
ثالثا، سقوط النخب المثقفة. ولا أضع الجميع في سلة واحدة، ولا حتى الأغلبية، لكن للنخب المثقفة عادة حساباتٍ في تقييم الجماهير لها، تختلف عن حسابات غيرها. وبالتالي، أي سقوط فردي يمكن أن يعبر عن كارثة حقيقية. وهكذا تعدّدت كوارث السقوط لمثقفين عرب، كنا ننظر لهم باعتبارهم غير قابلين للسقوط، فإذا هم يسقطون في أول اختبارات المصداقية والموضوعية.
وإذا كانت الأزمة الخليجية قد فضحت بعضهم بشكل ملتبس، لاعتباراتٍ تتعلق بطبيعة تلك الأزمة المفاجئة، وخصوصيتها الإقليمية، فإن قضية القدس التي تصاعدت، إثر قرار ترامب بشأنها، كانت هي الفضّاحة الحقيقية لهؤلاء الذين تمرّغوا في وحل التصهين، بشكل علني ومباشر، ومن دون أي شعور بالذنب أو العار، كما كان يحدث في السابق لحالاتٍ فرديةٍ قليلةٍ على سبيل المثال.
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.