الأزهر وتونس "الناشزة"

الأزهر وتونس "الناشزة"

30 يناير 2018
+ الخط -
لأخبار الانتخابات المصرية وقع خاص في تونس. فهي أشبه بنافذةٍ تذكّر التونسيين بما كان يحصل في بلادهم، حين كانوا ينامون ويصبحون على إيقاع الصوت الواحد واللون الواحد. على الرغم من ارتفاع الأسعار واستمرار البطالة وحدة التناقضات والصراعات بين الأحزاب، حصلت النقلة في تونس. لم يجرؤ أي طرف أن يدعو إلى إغلاق القوس الديمقراطي، والتوجه نحو سلوك الطريق المصري على الصعيد السياسي. هذه حقيقة ملموسة يمكن أن يلاحظها أي زائر إلى تونس. هناك أصواتٌ تشكّك في الثورة التي حصلت، وتعتبر أن أوضاع البلاد كانت أفضل في عهد بن علي، لكن هذه الأصوات لم تجرؤ حتى الآن على الدعوة إلى منظومة الحزب الواحد. لا أحد يجرؤ ويقول إن الانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس يجب أن تكون بدون منافسين، وأن تعتمد أسلوب المرشح الوحيد. هذه قصة انتهت في تونس، وحتى لو عاد الرئيس بن علي ومسك السلطة بطريقة ما، فسيجد معارضة قوية تحول بينه وبين الانفراد بالقرار وبالدولة.
يُلاحظ، في الجانب الآخر من الصورة، أن وسائل الإعلام المصرية تتعامل مع تونس بمنظار يركز بالأساس على النقائص والعثرات. ولعل الغرض من ذلك التأكيد على فشل التجربة التونسية، وتقويض ما يسمى الاستثناء التونسي. ولا يقف هذا السلوك عند حدود الجانب الاقتصادي المتعثر، وانما تجد صحافيين مصريين يصرحون أو يلمحون إلى الجانب السياسي بسلبية، في محاولة منهم لقطع الطريق أمام فكرة الانتقال الديمقراطي الهادئ والسلس. لا يعني ذلك تنزيه الحالة التونسية من أي نقصانٍ أو خلل، لكن جزءا من الإعلام المصري يعمد إلى الاستناد على أي مشكلة أو صعوبة تواجهها التجربة التونسية الناشئة والهشّة، للإيحاء بأن طريق تونس مسدود، في حين أن الأسلوب المصري أكثر صلابة وأثبت في خطاه.
مرة أخرى، يشارك الأزهر بثقله في خطة تهميش تونس، والتشكيك في توجهاتها الدينية. عادت حملة الطعن في مصداقية الأفكار والمقترحات التي ترمي إلى تأصيل الحريات الفردية والمساواة بين الجنسين. وبما أن المؤسسات الدينية المصرية غير مستعدة الآن أن تواصل السير على خطى محمد عبده والمصلحين المصريين الكبار، فإنها تريد سحب شرعية الاجتهاد من تونس ومن غيرها، بحجة أن الأزهر هو الأكثر شرعيةً وقدرةً لحماية رأي الإسلام في مختلف القضايا، كما أنه الأفضل لتجميع العلماء والفقهاء وقيادتهم في هذه المرحلة التاريخية. في حين أن تونس تبدو لهم وكأنها تجدّف بعيدا عن الدين والإجماع. وهو موقف معروف عن الأزهر منذ زمن بعيد. هناك شخصيات دينية داخل الأزهر، أو في البرلمان المصري، أو في مجمع البحوث الإسلامية تدعو إلى تنظيم "حملات توعية لوقف الفتاوى الشاذّة التي تطلقها تونس لتوعية المواطنين في الداخل والخارج، لمنع السير وراء هذا الهراء". كما طالبوا تونس "بالرجوع إلى الأزهر الشريف، لأنه المرجعية الإسلامية لكل الفتاوى الدينية، وحسم الخلاف في الكثير من القضايا". ولم يتردد رئيس لجنة الشؤون الدينية في مجلس الشعب المصري، أسامة العبد، في القول إن "الأزهر الشريف هو المرجعية الوحيدة للإفتاء ومراجعة الأمور الدينية في الداخل والخارج".
هذه دعوة خيالية، فهي لم تتحقق في العهود السابقة حتى في عهد الخلفاء الأربعة، فكيف سيتم إنجازها في هذا العصر. لا يمكن فرض وصاية دينية أو فقهية على أي شعب. وعندما حاولت الوهابية أن تفتك المرجعية الدينية فشلت في ذلك، بل وتسببت في كوارث يعاني منها المسلمون اليوم كثيرا.
لم تستقر الأوضاع في تونس بعد. وهذا طبيعي، لأن الهزّة الأولى لا تزال تفعل فعلها في مختلف الكيان التونسي. ما يحصل في الجانب السياسي ليس سوى واحدٍ من أبعاد الانتقال الشامل. ومن يحاول أن يبعد بقية المجالات لن يفلح في ذلك، لأن الرجّة ستصل إلى جميع المستويات، بما في ذلك مساحة المجتمع والأسرة والفكر والدين.