تراجيديا الأقساط المدرسية

تراجيديا الأقساط المدرسية

30 يناير 2018

مسيرة احتجاجية لنشطاء ومعلمي مدارس حكومية في بيروت (29/4/2014/الأناضول)

+ الخط -
ثمّة طابع بطولي تراجيدي في علاقة اللبناني بفكرة العلم والتعليم. فهي أكثر من الطموح، وأكبر من مجرّد حلمٍ يُراد تحقيقه، إنها أشبه بدعوةٍ تستدعي انخراط القلب والجسد والروح في معركة تعليم الأولاد التي تدوم سنواتٍ وسنوات، حتى ولو اقتضى الأمر سحق الذات، وبذل أكبر التضحيات. منذ لحظة تكوّن الجنين في بطن أمّه، يبدأ الأهل عراكهم مع صخرة سيزيف التي يمثّلها الانشغال بهَمّ اختيار مدرسةٍ تليق بمستقبل طفلهم. وحينما يقتنعون، بعد ألف عملية حسابٍ وحساب، بإدخال أطفالهم إلى المدارس الخاصة التي هي في الوسط بين الفحش وفقر الحال، تفاجئهم سلسلة الرتب والرواتب للمعلمين في المدارس الخاصة، بزيادة الأقساط بنسب مرتفعةٍ تعيدهم مجدّدا إلى أسفل الجبل الذي عليهم تسلّقه من جديد.
منذ سنوات، ونحن نسمع عن ارتفاع الأقساط المدرسية في لبنان، وعن القرارات التعسفية التي تتخذها إدارات بعض المدارس الخاصة التي تمارس نوعا من الترهيب بحق الأهالي، مقابل ضيق هؤلاء، وقلة حيلتهم إزاء استخدام أي نوعٍ من المساءلة أو الاعتراض أو الرفض. فثمة تحقيرٌ واضحٌ يجابَه به السائلُ غير القادر على مجاراة الأقساط المرتفعة، وإقصاء فوقيّ طبقيّ له يتضمّن تأنيبا مفاده: لم يجبرك أحد على تسجيل أبنائك في مدرستنا، أو لم لا تتّجه إلى مدارس أخرى من مستواك. غير أن الدخول إلى المدرسة الرسمية في لبنان هو بمثابة الانحطاط إلى أحطّ الدركات الاجتماعية، وهو أشبه بإشهار الإفلاس، والقضاء على مستقبل الأولاد، والظهور بمظهر الأهل غير المبالين.
أجل، لا يولي الأهل في لبنان مسألة التعليم أهميةً قصوى فحسب، بل أنهم يعلّقون كل الآمال على مستوى المدرسة وصيتها في تحقيق نسب مرتفعة من النجاح، ومقدرتها على تسليح أولادهم بأقصى حظوظ الفوز لاحقا. وهم، لذلك، يبذلون الغالي والرخيص، فيبيعون أحيانا ما يملكون من أراضٍ وممتلكاتٍ قد لا تكفي لإنهاء تعليم الأولاد، إذ يستدينون أحيانا لإتمام ما تبقى.
تقول عايدة، في نقاشها مع هنادي الحامل بطفلها الأوّل والمتحمّسة لوضع ابنها في مدرسة ذائعة الصيت موجعة الأقساط: "أنا أفضّل وضع طفلي في مدرسة "وسط"، والتمكّن من إسعاده بنشاطات مسلية وثقافية وبأمور مكلفة أخرى، على أن أضعه في أخرى ستمتص راتبي كله، وستحرمه من العيش والتمتع خارج المدرسة. ما تفرضه المدارس الخاصة على الأهالي مستحيل، فقد باتوا يعملون فقط من أجل إيفاء أقساطها"... تحكي عايدة عن مدارس "وسط"، وهي المعلّمة في مدرسةٍ رسمية، لأنها تدرك أن المدارس الرسمية في لبنان ليست أمرا واردا لأي مواطن ارتفع معاشه عن الحد الأدنى، أو كان هو وزوجته عاملين. لماذا؟ لأن المدارس الرسمية التي كانت تنافس المدارس الخاصة مستوىً قبل الحرب، راحت تتدهور تدريجيا، حتى محت لدى المواطنين أية ثقةٍ بها، خصوصا وأن الدولة التي دفنها اللبنانيون منذ دهر جعلتها على صورتها.
اليوم، هناك معركة بين أطراف ثلاثة، إدارات المدارس الخاصة، الأساتذة، والأهالي. تبنّت نقابة المعلمين في المدارس الخاصّة مطالب المعلمين، ودعت إلى الكشف عن التدقيق في موازنات المدارس الخاصّة خلال السنوات الخمس السابقة، لكشف الزيادات التي تضاف عشوائيا بحجة دفع سلسلة الرتب والرواتب، كما أعلنت الإضراب العام لجميع معلمي المدارس الخاصة أيام 5 و6 و7 فبراير/ شباط 2018، مع خطواتٍ تصعيديةٍ لاحقا، وصولا إلى إعلان إضراب مفتوح. افتعلت المدارس مواجهةً بين الأهل والمعلمين، بعد رفضها دفع سلسلة الرتب والرواتب لأساتذتها، إلّا بشروط، في حين حمّلت الدولة مسؤولية تمويل زيادة الأقساط. أودع وزير التربية مجلس الوزراء مشروع قانون معجّل، يرمي إلى تحديد كيفية تطبيق المدارس الخاصة أحكام قانون السلسلة، ورئيس الجمهورية أكّد صدور قرار قبل 31 يناير، متمنّيا على الأهالي انتظار القرار الرسمي قبل اتخاذ أي قرار.
حسنا، يوم غد هو يوم 31 يناير. نحن في الانتظار.
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"