العرب والعلاقات العامة في أميركا

العرب والعلاقات العامة في أميركا

26 يناير 2018

(Getty)

+ الخط -
تهتم أغلب دول العالم فيما يتعلق بقضاياها والتي تعنيها بموقف الولايات المتحدة. فمنذ نهاية الحرب الباردة، أصبح العالم أحادي القطب، تلعب فيه الولايات المتحدة دور "الشرطي". ولم يكن هذا "الشرطي" يوما عادلا، ولم يلتزم بمبادئ القانون الدولي إلا عندما اقتضت مصلحته ذلك. على الأغلب، اتُخذت القرارات بحسب ما تقتضيه المصالح القومية، أو مصالح الحزب الحاكم. لم تكتف دولٌ كثيرة بالاقتراب من الإدارات الأميركية المتعاقبة، والسعي إلى التأثير عليها، بل سعت أيضا إلى التأثير على مؤسسات أخرى في الدولة، كأعضاء الكونغرس وحكام الولايات.
لا تنتهي الأمور عند التأثير على النخب السياسية، بل تشتري بعض الدول خدمات شركات العلاقات العامة، إما لشرح قضاياها ومواقفها، أو لتحسين صورتها في نظر النخب والجمهور الأوسع. تكسب شركات العلاقات العامة هذه الملايين لتجنيد أشخاص يُعرفون "صُنّاع رأي". وعادة يكون هؤلاء أشخاصا معروفين ممن يظهرون في وسائل الإعلام محللين ومستشارين. وهم على الأغلب من السياسيين أو الدبلوماسيين السابقين، أو أكاديميين بارزين أو شخصيات ثقافية. والهدف من استقطاب (أو شراء) هؤلاء إيجاد جو إيجابي عن دولة معينة، بهدف التأثير على الدوائر التي يدور السياسيون وصناع القرار في فلكها.
تتفاوت قدرات شركات العلاقات العامة ومجموعات الضغط (lobbying) في التأثير على المواقف السياسية، أو على صورة الدول، بحسب المواضيع وطبيعة الجهة المنتفعة وأهمية الموضوع واهتمام الناخبين الأميركيين به. فيوجد فرق بين اللوبيات الأيديولوجية مثل "إيباك"، أو لوبي السلاح المدعومة من ملايين الناخبين، وبين الترويج والعلاقات العامة التي تشرى بالمال، لمنفعة دول لا يهتم الناخبون الأميركيون بشأنها. كما أنه يوجد فرق بين السياسات الداخلية التي تمس المواطنين بشكل مباشر والسياسات التي تتعلق بالعلاقات الدولية.
مثل باقي الدول، تقوم الدول العربية، هي الأخرى، بالسعي وراء شركات الضغط والعلاقات 
العامة، وتنفق الملايين على ذلك. لكن ما يميز الدول العربية في هذا السياق هو تقاطع هذه المساعي مع المصالح الإسرائيلية، أو مع المؤسسات والأشخاص الداعمين لإسرائيل. والمنطق السائد هنا أن التقرب لتلك المؤسسات أو الأشخاص سوف يحسّن من صورة الدولة المعنية، لما لإسرائيل والمؤسسات الداعمة لها من حظوة في المناخ السياسي في الولايات المتحدة. قد يكون هذا المنطق جذّابا للوهلة الأولى، لكنه سطحي جدا. فإذا ما تمعنّا في اتجاه التفكير هذا، نرى هذا الطرح والفائدة المرجوة منه محدودين. فالتقرّب من المؤسسات والأشخاص الداعمين لإسرائيل قد يفتح بعض الأبواب، وقد يعود ببعض الفوائد، لكنه لن يغير المصالح السياسية والاقتصادية التي تُتخذ القرارات السياسية وفقها.
ولنا في تجربة القيادة الفلسطينية عبرة تبيّن مدى فقر التوجه الذي يراهن على المؤسسات اليهودية الداعمة لإسرائيل. ففي الأعوام من 2007 إلى 2011، تبنى الرئيس محمود عباس سياسة استقطاب المؤسسات اليهودية في الدول الغربية، واهماً بأنه إذا ما تم إقناعها بوجهة نظره ورؤيته لحل الدولتين، سوف تستخدم الجاليات اليهودية نفوذها، لكي تبدي القيادة السياسية الإسرئيلية قدرا أكبر من المرونة في المفاوضات. وفي سبيل إقناع هذه المؤسسات، أصبحت الاجتماعات مع قادة هذه المؤسسات بندا دائما في أجندة الرئيس أينما حل. وقد خصص لهذه الاجتماعات الواسعة التي كان يتم بعضها حفلات استقبال أو حفلات عشاء وقتا طويلا كان أحيانا يزيد عن الوقت المخصص للقاء بالجاليات الفلسطينية والعربية. وقد تباهى عباس، في أكثر من خطاب، بقربه من هذه المؤسسات التي ادّعى أنها تتفق معه في مواقف كثيرة.
قرر الرئيس عباس، في العام 2011، التوجه إلى الأمم المتحدة باسم "دولة فلسطين"، للانضمام عضوا، ظنا منه أن المناورة سوف تعطيه زخما سياسيا قد يجبر إسرائيل على العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط أفضل. قاومت إسرائيل وبشدة هذه المبادرة، وانضمت إليها جميع المؤسسات الداعمة لإسرائيل التي ظن عباس أنه قربها إلى وجهة نظره. لم تكتف هذه المؤسسات برفض التحرّك الفلسطيني، بل كالت الاتهامات ضد عباس نفسه بدعم الإرهاب وممارسة الإرهاب الدبلوماسي.
تثبت هذه التجربة فشل بناء علاقات سياسية مبنية على التقرّب إلى المؤسسات الداعمة لإسرائيل. فلهذه المؤسسات هدف واحد وقبلة واحدة. ولا بد من وجود طرق أخرى لتحسين الصورة بدون الاعتماد على هذه المؤسسات، فيمكن مثلا النظر إلى الأمور التي تؤثر سلبا على صورة الدول، مثل حقوق الإنسان أو حقوق العمالة الوافدة، ومعالجتها بشكل جدي، يعود بالأثر الإيجابي على الدولة وسكانها، ويحسّن صورتها في العالم.
C25634CB-6FEF-4FF5-84EC-6F3091FAF153
C25634CB-6FEF-4FF5-84EC-6F3091FAF153
مازن المصري

محاضر فلسطيني في القانون- سيتي في جامعة لندن

مازن المصري