تركيا في عفرين

تركيا في عفرين

25 يناير 2018

دبابة تركية في منطقة هاتاتي التركية الحدودية (22/1/2018/الأناضول)

+ الخط -
أخيراً تقدمت القوات التركية للسيطرة على عفرين في سورية، وهي تهدد بالزحف نحو منبج، حيث تريد السيطرة على المناطق الحدودية من إدلب إلى جرابلس، "لكي تمنع قيام كيان كردي"، كما قالت منذ دعمت تقدّم بعض الفصائل المسلحة نحو جرابلس، وصولاً إلى الباب.
كانت تركيا في علاقة جيدة جداً مع النظام السوري، وحصلت منه على اتفاق استراتيجي أدى إلى زيادة ضعضعة الاقتصاد السوري. وحاولت إقناع النظام، حين انفجار الثورة، بضرورة التحوّل إلى نظام تعدّدي، لكن فشلها في ذلك دفعها إلى أن تحاول "قطع الطريق" على تدخلات "خارجية"، تُفقدها سورية سوقاً اقتصادياً وطريقاً لسلعها إلى الخليج، لهذا، اندفعت إلى تشكيل بديلها (المجلس الوطني)، وحاولت فرضه ممثلاً للثورة، وبديلاً للنظام في حال جرى أي تدخل عسكري خارجي. وقد اكتشفت أن أحداً ممن توقعت يريد التدخل، وأن أميركا (كانت تفترض أنها ستتدخل) قد ساومت روسيا  و"باعتها" سورية. لهذا لعبت هي بتنظيم داعش وجبهة النصرة، وسهّلت نشاطهما لـ "تخريب" السياسة الأميركية. وفي صراعها من أجل فرض "أحقيتها" في سورية، اصطدمت مع روسيا عسكرياً، لكنها تراجعت وباتت في تحالفٍ معها.
وبالتالي، انطلقت تركيا من مصالحها، وليس دعماً لثورة الشعب السوري، وهذا يجب أن يكون واضحاً جداً، لأنه يعني أن نفهم ما تقوم به انطلاقاً من هذا الأساس. ويمكن تلخيص مصالحها في مسألتين: اقتصادية، حيث كانت سورية مجالاً مهماً لشركاتها. ومنع قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية. في المستوى الاقتصادي، باتت ملزمة بالتنسيق مع روسيا، ويبدو أنها تريد عقود إعادة الإعمار في الشمال، وطريقاً لسلعها الذاهبة إلى الخليج، والتي باتت تمرّ بطرق معقدة. وقد باتت روسيا المعنية بتوزيع الحصص فيما يتعلق بإعادة الإعمار، وهي المقرّر في حدود الدور التركي في سورية كذلك. لهذا عقدت مساومتين مع تركيا. الأولى تسليم حلب مقابل السماح لها بالتقدم نحو جرابلس/ الباب. والثانية ما يجري الآن من تسليم إدلب في مقابل سيطرتها على عفرين.
لا علاقة لذلك كله بالثورة السورية، على الرغم من أن تركيا استخدمت كتائب مسلحة "تنتمي للثورة". وباستخدامها هذا، أضعفت جبهة حلب في حينها، وهي تضعف جبهة إدلب الآن. هذه مساومات سماسرة وليست دعماً للشعب السوري، وهي عملية احتلالٍ، كما فعلت روسيا وفعلت أميركا وإيران.
الآن، لا شك في الدور السلبي والسيئ لحزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سورية الديمقراطية، سواء بالتعامل مع الثورة، حيث كان الحزب ينسق مع النظام، أو كونه بات أداة أميركية في السيطرة على الشرق السوري الغني بالنفط (كانت تستثمره شركات أميركية، ويبدو أن أميركا عادت لتسترجعه أو تساوم روسيا به، كون روسيا حصلت على حقوق الاستثمار بعد انسحاب الشركات الأميركية). وهو يمارس استبدادية مفرطة، على الرغم من أنه يتزين بالديمقراطية، وأيضاً "عنصرية" ضد قرى عربية، وهو بدعم أميركي يريد السيطرة على مناطق عربية، وليس فقط المناطق التي يسكنها أكراد، وأسموا ذلك: روجآفا، ثم حوّلوها إلى فيدرالية شعوب، بعد أن ظهر أن الوجود العربي السرياني لا يسمح سوى بالسيطرة على مناطق محدودة.
لا يجب أن ينعكس ذلك كله على مجمل الأكراد، حيث عانى كثيرون منهم من اضطهاد حزب الاتحاد الديمقراطي. ولا يجب أن يُقبل أي قصف أو تهديد لمناطقهم. وإذا كنا نرفض تدخل أميركا وروسيا وإيران، لا يجب أن نقبل تدخل تركيا. على العكس، تريد تركيا الآن تسلم مناطق كانت خارج سلطة النظام. بالتالي يجب أن نكون ضد كل ما تفعل، كما ضد قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (بي يي دي)، ومع السوريين في عفرين. وإذا كانت سياسة "بي يي دي" سهّلت تدخل تركيا، وربما جعلت سوريين يقبلون التدخل التركي، فإن هذا التدخل، منذ جرابلس، هو ضد الثورة. بالتالي، إذا كنا ضد فيدرالية سورية الديمقراطية وسياسات "بي يي دي"، لا يجوز أن نقف مع دولةٍ تحتل أرضاً سورية، بسبب مصالحها هي.