وظيفة الكتابة

وظيفة الكتابة

24 يناير 2018
+ الخط -
أصعب اللحظات والأوقات التي تمر بها الذات هي لحظة البحث عن الماهية، الأمر الذي يجعل من طرح هذه التساؤلات مشروعا، فما الذي يمثله القلم للكاتب خصوصا، والذات المفكرة عموما؟ هل تشكل الكتابة تعبيرا عن ماهيتها بما هي الهدف الأسمى والمنشود؟ إن لم تكن الكتابة هي تجسيد لماهيتها، فلماذا إذن لا يتوقف قلمها عن التعبير؟ هل هي مجردة عادة؟ أم أنها بالنسبة لها أعمق بكثير؟
للإجابة عن كل هذه التساؤلات، يجدر التطرق إلى الوظائف المناطة بعهدة الكتابة، لتتجلى لنا الدلالات الحمائية والتشاركية. وضمن هذا الإقرار، تؤسس الكتابة بعدا حمائيا لا يمكن نفيه، إذ أنها ترتبط بكل ما هو ذاتي، نفسي، وجداني. إنها وبكل اختصار لحظة تجسيد للتفكير. لعلها كذلك بمثابة الجانب العملي والتطبيقي للفكر.
وستتجذر الدلالات الوقائية للكتابة، من خلال سعيها إلى انتشال الذات من غياهب الاغتراب المجحفة، الأمر الذي يجعل منها مجالا حيويا لتجسيد ماهية الذات المفكرة. تلك الماهية المتمثلة في مدى تحقيقها لعنصر الراحة النفسية التي تناشدها كل ذات كابدت الحزن، القلق والانزعاج.
وضمن هذا المنطلق، ولإضفاء طابع عملي وتوثيقي للأفكار السابقة، ارتأيت الاستشهاد بأبيات من محاولة شعرية لي بعنوان "معاناة قلم"، جاء فيها: "بين أحضان الألم/ وفي عتمة الليل/ أتخذ من القلم ملاذاً/ ملاذاً لذات تعاني الحزنَ تقاسي". وعليه، تتجلى لنا الكتابة ترياقا فعالا من شأنه إعادة تأهيل الذات.
وسيتعمق الطابع القدسي للكتابة، متى امتزج بدلالات التشارك، الأمر الذي يجعل من الذات مرتبطة أشد الارتباط بمعاني الإبداع، لتتجلى لنا إسهاماتها بغية تشييد صرح المجتمع. فلكأن القلم، ضمن هذا الإقرار، يؤسس لبعدٍ أشمل، وهو الاجتماعي. لتكون بذلك أرقى تمظهرات ماهية الإنسان. ذلك الإنسان الذي يساهم في بناء وتدعيم النسيج الاجتماعي، الثقافي، السياسي، العلمي، القانونية، الاقتصادي لمجتمعه.
لتكون بذلك الكتابة أداة تحمل في طياتها روح المسؤولية، جوهر الإرادة، ماهية التغير. إنها وباختصار وعي. هذا الوعي الذي يبلور لتخلص الذات من بوتقة الأنانية، اللامبالاة و السلبية.
تجدر الإشارة أخيرا، إلا أنّ ديمومة وازدهار المجتمعات الإنسانية، لا يكون إلا بتقدم أقلامها، إبداعاتهم وأفكارهم.
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
إسماعيل الهدار (تونس)
إسماعيل الهدار (تونس)